____________________
فتليت له هذه الآية فقال: ذلك القليل نطلب. فإن قلت: كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة ولا عصمة إلا من السوء؟ قلت: معناه أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قوله:
* متقلدا سيفا ورمحا * أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع (المعوقين) المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون. كانوا يقولون (لإخوانهم) من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لا لتهمهم أبو سفيان وأصحابه فخلوهم. و (هلم إلينا) أي قربوا أنفسكم إلينا، وهي لغة أهل الحجاز يسوون فيه بين الواحد والجماعة، وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال، وهو صوت سمى به فعل متعد مثل أحضر وقرب - قل هلم شهداءكم - (إلا قليلا) إلا إتيانا قليلا يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم ولا تراهم يبارزون ويقاتلون إلا شيئا قليلا إذا اضطروا إليه كقوله - ما قاتلوا إلا قليلا - (أشحة عليكم) في وقت الحرب أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف (ينظرون إليك) في تلك الحالة كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخورا ولواذا بك، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرقرقة عليكم إلى الخير وهو المال والغنيمة، ونسوا تلك الحالة الأولى واجترأوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا: وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم وبنا نصرتم عليه. ونصب (أشحة) على الحال أو على الذم. وقرئ أشحة بالرفع وصلقوكم بالصاد. فإن قلت: هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الاحباط؟ قلت:
لا ولكنه تعليم لمن عسى يظن أن الايمان باللسان إيمان وإن لم يواطئه القلب، وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجدى عليه، فبين أن إيمانه ليس بإيمان وأن كل عمل يوجد منه باطل. وفيه بعث على إتقان المكلف أساس أمره وهو الايمان الصحيح، وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس وأنها مما يذهب عند الله هباء منثورا. فإن قلت: ما معنى قوله (وكان ذلك على الله يسيرا)، وكل شئ عليه يسير؟ قلت: معناه أن أعمالهم حقيقة بالاحباط تدعو إليه الدواعي ولا يصرف عنه صارف (يحسبون) أن الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا،
* متقلدا سيفا ورمحا * أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع (المعوقين) المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون. كانوا يقولون (لإخوانهم) من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لا لتهمهم أبو سفيان وأصحابه فخلوهم. و (هلم إلينا) أي قربوا أنفسكم إلينا، وهي لغة أهل الحجاز يسوون فيه بين الواحد والجماعة، وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال، وهو صوت سمى به فعل متعد مثل أحضر وقرب - قل هلم شهداءكم - (إلا قليلا) إلا إتيانا قليلا يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم ولا تراهم يبارزون ويقاتلون إلا شيئا قليلا إذا اضطروا إليه كقوله - ما قاتلوا إلا قليلا - (أشحة عليكم) في وقت الحرب أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف (ينظرون إليك) في تلك الحالة كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخورا ولواذا بك، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرقرقة عليكم إلى الخير وهو المال والغنيمة، ونسوا تلك الحالة الأولى واجترأوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا: وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم وبنا نصرتم عليه. ونصب (أشحة) على الحال أو على الذم. وقرئ أشحة بالرفع وصلقوكم بالصاد. فإن قلت: هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الاحباط؟ قلت:
لا ولكنه تعليم لمن عسى يظن أن الايمان باللسان إيمان وإن لم يواطئه القلب، وأن ما يعمل المنافق من الأعمال يجدى عليه، فبين أن إيمانه ليس بإيمان وأن كل عمل يوجد منه باطل. وفيه بعث على إتقان المكلف أساس أمره وهو الايمان الصحيح، وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس وأنها مما يذهب عند الله هباء منثورا. فإن قلت: ما معنى قوله (وكان ذلك على الله يسيرا)، وكل شئ عليه يسير؟ قلت: معناه أن أعمالهم حقيقة بالاحباط تدعو إليه الدواعي ولا يصرف عنه صارف (يحسبون) أن الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا،