الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٥٠
ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم
____________________
بعد الهمزة. وتظاهرون من ظاهر، وتظاهرون من أظاهر بمعنى تظاهر، وتظهرون من أظهر بمعنى تظهر، وتظهرون من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد، وتظهرون من ظهر بلفظ فعل من الظهور، ومعنى ظاهر من امرأة: قال لها أنت علي كظهر أمي، ونحوه في العبارة عن اللفظ: لبى المحرم إذا قال لبيك، وأفف الرجل إذا قال أف وأخوات لهن. فإن قلت: فما وجه تعديته وأخواته بمن؟ قلت: كان الظهار طلاقا عند أهل الجاهلية فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة، فكان قولهم تظاهر منها تباعد منها بجهة الظهار، وتظهر منها تحرز منها، وظاهر منها حاذر منها، وظهر منها وحش منها، وظهر منها خلص منها، ونظيره آلى من امرأته لما ضمن معنى التباعد منها عدى بمن، وإلا فآلى في أصله الذي هو بمعنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه. فإن قلت: ما معنى قولهم أنت علي كظهر أمي. قلت: أرادوا أن يقولوا أنت علي حرام كبطن أمي، فكنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج، وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن ومنه حديث عمر رضي الله عنه " يجئ به أحدهم على عمود بطنه " أراد على ظهره. ووجه آخر هو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرما عندهم محظورا، وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر، ثم لم يقنع بذلك حتى جعله ظهر أمه فلم يترك. فإن قلت: الدعي فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعى ولدا فما له جمع على أفعلاء وبابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقي وأتقياء وشقي وأشقياء ولا يكون ذلك في نحو رمى وسمى؟ قلت: إن شذوذه عن القياس كشذوذ قتلاء وأسراء والطريق، أو مثل ذلك التشبيه اللفظي (ذلكم) النسب هو (قولكم بأفواهكم) هذا ابني لا غير من غير أن يواطئه اعتقاد لصحته وكونه حقا. والله عز وجل لا يقول إلا ما هو حق ظاهره وباطنه ولا يهدى إلا سبيل الحق. ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق وهو قوله (ادعوهم لآبائهم) وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الامرين في القسط والعدل، وفي فصل هذه الجمل ووصلها من أحسن والفصاحة ما لا يغبى على عالم بطرق النظم. وقرأ قتادة: وهو الذي يهدى السبيل. وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه جلد الرجل وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان (فإن لم تعلموا) لهم آباء تنسبونهم إليهم (ف‍) - هم (إخوانكم في الدين) وأولياؤكم في الدين فقولوا هذا أخي وهذا مولاي ويا أخي ويا مولاي يريد الاخوة في الدين والولاية فيه (ما تعمدت) في محل الجر عطفا على ما أخطأتم، ويجوز أن يكون مرتفعا على الابتداء والخبر محذوف تقديره: ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح: والمعنى: لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي، ولكن الاثم فيما تعمدتموه بعد النهي، أو لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بني على سبيل الخطأ وسبق اللسان، ولكن إذا قلتموه متعمدين. ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ دون العمد على طريق العموم كقوله عليه الصلاة والسلام " وما أخشى عليكم الخطأ ولكن أخشى عليكم العمد " وقوله
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»