الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٠٨
أن أرسل معنا بني إسرائيل. قال ألم نربك فينا وليدا. ولبثت فينا من عمرك سنين. وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين. قال فعلتها إذا وأنا من الضالين. ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربى حكما وجعلني من المرسلين.
وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل.
____________________
ويجوز أن يوحد لأن حكمهما لتساندهما واتفاقهما على شريعة واحدة واتحادهما لذلك وللأخوة كان حكما واحد فكأنهما رسول واحد، أو أريد أن كل واحد منا (أن أرسل) بمعنى أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال وتقول: أرسلت إليك أن افعل كذا، لما في الإرسال من معنى القول كما في المناداة والكتابة ونحو ذلك، ومعنى هذا الإرسال التخلية والإطلاق كقولك أرسل البازي، يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما. ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب: إن ههنا إنسانا يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال: ائذن له لعلنا نضحك منه، فأديا إليه الرسالة فعرف موسى، فقال له (ألم نربك) حذف فأتيا فرعون فقولا له ذلك لأنه معلوم لا يشتبه، وهذا النوع من الاختصار كثير في التنزيل. الوليد: الصبى لقرب عهده من الولادة. وفى رواية عن أبي عمرو من عمرك بسكون الميم (سنين) قيل مكث عندهم ثلاثين سنة. وقيل وكز القبطي وهو ابن اثنتي عشرة سنة وفر منهم على أثرها والله أعلم بصحيح ذلك. وعن الشعبي فعلتك بالكسر، وهى قتلة القبطي لأنه قتله بالوكزة وهو ضرب من القتل، وأما الفعلة فلأنها كانت وكزة واحدة، عدد عليه نعمته من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ووبخه بما جرى على يده من قتل خبازه، وعظم ذلك وفظعه بقوله - وفعلت فعلتك التي فعلت - (وأنت من الكافرين) يجوز أن يكون حالا: أي قتلته وأنت لذاك من الكافرين بنعمتي، أو وأنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة وقد افترى عليه أو جهل أمره لأنه كان يعايشهم بالتقية، فإن الله تعالى عاصم من يريد أن يستنبأه من كل كبيرة ومن بعض الصغائر فما بال الكفر. ويجوز أن يكون قوله - وأنت من الكافرين - حكما عليه بأنه من الكافرين بالنعم، ومن كانت عادته كفران النعم لم يكن قتل خواص المنعم عليه بدعا منه، أو بأنه من الكافرين لفرعون وإلهيته، أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم فقد كانت لهم آلهة يعبدونهم يشهد لذلك قوله تعالى - ويذرك وآلهتك - وقرئ الهتك. فأجابه موسى بأن تلك الفعلة إنما فرطت منه وهو (من الضالين) أي الجاهلين. وقراءة ابن مسعود من الجاهلين مفسرة، والمعنى: من الفاعلين فعل أولى الجهل والسفه كما قال يوسف لإخوته - هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون - أو المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل،
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»