الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٤٨
فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون. يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم. قد سألها قوم من قلكم
____________________
وصحيح المذاهب وفاسدها وجيد الناس ورديئهم (فاتقوا الله) وآثروا الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر، ومن حق هذه الآية أن تكفح بها وجوه المجبرة إذا افتخروا بالكثرة كما قيل:
وكاثر بسعد إن سعدا كثيرة ولا ترج من سعد وفاء ولا نصرا وكما قيل: لا يدهمنك من دهامئهم عدد فإن جلهم بل كلهم بقر وقيل نزلت في حجاج اليمامة حين أراد المسلمون أن يوقعوا بهم فنهوا عن الايقاع بهم وإن كانوا مشركين.
الجملة الشرطية والمعطوفة عليها: أعني قوله (إن تبد لكم تسؤكم) صفة للأشياء، والمعنى: لا تكثروا مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم، إن أفتاكم بها وكلفكم إياها تغمكم وتشقق عليكم وتندموا على السؤال عنها، وذلك نحو ما روى أن سراقة بن مالك أو عكاشة بن محصن قال (يا رسول الله الحج علينا كل عام؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد مسألته ثلاث مرات، فقال صلى الله عليه وسلم: ويحك ما يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه) (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن) وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو ما دام الرسول بين أظهركم يوحى إليه تبد لكم تلك التكاليف الصعبة التي تسوءكم وتؤمروا بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها (عفا الله عنكم) عفا الله عما سلف من مسئلتكم فلا تعودوا إلى مثلها (والله غفور حليم) لا يعاجلكم فيما يفرط منكم بعقوبته. فإن قلت: كيف قال لا تسألوا عن أشياء ثم قال (قد سألها) ولم يقل قد سأل عنها؟ قلت: الضمير في سألها ليس براجع إلى أشياء حتى تجب
(٦٤٨)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 643 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 ... » »»