الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ١٨٦
إنما نحن مستهزؤن
____________________
على صدق رغبة ووفور نشاط وارتياح للتكلم به وما قالوه من ذلك فهو رائج عنهم متقبل منهم فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتوكيد فإن قلت أنى تعلق قوله (إنما نحن مستهزؤن) بقوله إنا معكم قلت: هو توكيد له، لأن قوله إنا معكم معناه الثبات على اليهودية، وقوله إنما نحن مستهزؤن رد للإسلام ودفع له منهم لأن المستهزئ بالشئ المستخف به منكر له ودافع لكونه معتدا به ودفع نقيض الشئ تأكيد لثباته أو بدل منه لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر أو استئناف كأنهم اعترضوا عليهم حين قالوا إنا معكم فقالوا فما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أهل الإسلام فقالوا إنما نحن مستهزؤن والاستهزاء السخرية والاستخفاف وأصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان عن بعض العرب مشيت فلغيت فظننت لاهزأت على مكاني وناقته تهزأ به أي تسرع وتخف فإن قلت لا يجوز الاستهزاء على الله تعالى لأنه متعال عن القبيح والسخرية من باب العيب والجهل ألا ترى إلى قوله - قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين - فما معنى استهزائه بهم؟ قلت معناه إنزال الهوان والحقارة بهم لأن المستهزئ غرضه الذي يرميه هو طلب الخفة والزراية بمن يهزأ به وإدخال الهوان والحقارة عليه والاشتقاق كما ذكرنا شاهد لذلك وقد كثر التهكم
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 184 186 187 188 190 191 194 ... » »»