في صحة العطف إلى جملة إنشائية سابقة، ولو كان المعطوف الأمر: يعنى الجملة الأمرية التي هي " بشر " لاحتيج إلى أن يطلب ما يشاكله من أمر أو نهى حتى يصح عطفه عليه، وأما توهم العطف بين الفعلين وحدهما فلا مساغ له فيما نحن فيه أصلا، وهذا وجه وجيه لا غبار عليه وإنما الاشتباه في المثال، فإن قولك (زيد يعاقب بالقيد والإرهاق) مشتمل على جملتين كبرى وصغرى وقولك (وبشر عمرا بالعفو والإطلاق) جملة واحدة، فليس ههنا قضيتان عطف إحداهما على الأخرى، بل جملة واحدة عطفت في الظاهر على ما ليس يصح عطفها عليه من إحدى الأولتين.
والجواب أنه أشار بما ذكره إلى قضيتين متقابلتين فكأنه قال: زيد يعاقب بالقيد والإرهاق فما أسوأ حاله وما أخسره فقد ابتلى ببلية كبرى وأحاطت به سيئاته إلى غير ذلك مما يناسبه وبشر عمرا بالعفو والإطلاق فما أحسن حاله وما أنجاه وأريحه إلى أشياء أخر تليق بتلك البشارة يقال أرهقه عسرا إذا أصابه به وغشاه وفى قوله (ولك أن تقول هو معطوف) إشارة إلى أن فيه ضعفا وذلك من وجهين أحدهما أن " فاتقوا " جواب للشرط فإن عطف بشر عليه كان التقدير فإن لم تفعلوا فبشر الذين آمنوا ولا ارتباط بينهما واعتذر عنه تارة بأن تبشير المصدقين كإنذار المنكرين مترتب على عدم معارضة الكفرة إذ حينئذ يثبت كون القرآن معجزا ويتحقق صدق النبي صلى الله عليه وآله فيكون تصديقه سببا للبشارة ونيل الثواب كما أن إنكاره سبب للإنذار وإصابة للعقاب وأخرى بأن مآل المعنى فاتقوا النار واتقوا ما يغيظكم من حسن حال أعدائكم فأقيم وبشر مقامه تنبيها على أنه مقصود في نفسه أيضا لا لمجرد غيظهم فقط وهذا القدر من الربط المعنوي كاف في عطفه على ذلك الجزاء وإن لم يكف في جعله جزاء ابتداء والثاني أن عطف الأمر لمخاطب على الأمر لمخاطب آخر إنما؟؟ يحسن إذا صرح بالنداء كما في المثال الذي أورده وأما بدون التصريح به فقد منعه النحاة ولهذين الإشكالين اختير في المفتاح أنه عطف على قل مقدرا قيل يا أيها الناس أي قل كذا وكذا وبشر المؤمنين ويرد عليه أن قوله وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - لا يصلح أن يكون مقولا للنبي صلى الله على وسلم وآله إلا أن يتعسف ويقال أجرى ذلك على طريقة كلام الآمر وقصد به أن يذكره عليه الصلاة والسلام بعبارة نفسه كأن يقول وإن كنتم في ريب مما نزله الله واختار صاحب الإيضاح أنه عطف على مقدر بعد أعدت أي فأنذر الذين كفروا بتلك النار وبشر الذين آمنوا، وهو نظير ما ذكره المصنف في - واهجرنى مليا - أي فاحذرنى واهجرنى، وهذا أحسن ما قيل ههنا بعد ما عول عليه في الكتاب (قوله عطفا على أعدت) كأنه قال أعدت النار للكفار، وأعدت الجنة للمؤمنين الأخيار وقوله (فرادى) إشارة إلى أنهم لو بشروه ما عتقوا كلهم (قوله لأنهم جميعا أخبروه) وذلك لأن الإخبار في المتعارف أن تذكر الجملة الخبرية ويراد بها معناها سواء أفادت العلم أولا وإن كان في أصل اللغة بمعنى الإعلام