الكلام بأوله، فإن ترتب الجزاء ههنا على شرطه إنما بحسن كل الحسن إذا كان الضمير للمنزل فإنه الذي سيق له الكلام أولا وفرض فيه الارتياب قصدا. وأما ذكر العبد فقد وقع تبعا، وصح بذلك رجوع الضمير إليه في الجملة، ولو كان الكلام مسوقا له كما ذكره كان عود الضمير إليه أولى على عكس ما في التنزيل، وأيضا في عود الضمير إلى العبد ترك التصريح بأن السورة المأتي بها ينبغي أن تمائل المنزل نظما وأسلوبا، مع أن ذلك هو العمدة في التحدي. نعم يفهم هذا من مساق الكلام بمعونة المقام، ولذا قال بنحو ما أتى به هذا الواحد. الثالث المبالغة في التحدي كما قررها. الرابع الملاءمة لقوله: وادعوا شهداءكم أما إذا أريد به دعاء الشهداء للاستعانة بهم في المعارضة إما حقيقة كما في وجه الأخير من الوجوه الستة الآتية، وإما تهكما كما في الوجهين الأولين، فلأنه إنما يلائم الأمر بالإتيان بسورة من مثل القرآن، لا الأمر بالإتيان بسورة من واحد عربي، إذ لا معنى للاستمداد بطائفة فيما هو فعل واحد، كيف ولو أستعين بالشهداء في ذلك لم يكن المأتي به ما كان مطلوبا منهم. وأما إذا أريد به دعاؤهم لشهدائهم ليشهدوا لهم بأن ما يدعونه حق كما في الوجوه الباقية، فلأن إضافة الشهداء إليهم إنما تقع موقعها إذا كان الإتيان بالمثل منهم لا من واحد وإلا كانوا شهداء له، فحقهم أن يضافوا إليه وإن كان للإضافة إليهم وجه صحة، وأيضا رجوع الضمير إلى العبد ربما أوهم أن دعاء الشهداء ليشهدوا بأن ذلك الواحد مثل له، لا بأن ما أتى به مثل للمنزل، وهذا الإيهام يخل بمتانة المعنى وفخامته. ولما ترجح عود الضمير إلى المنزل بهذه الوجوه ترجح بها أيضا كون الظرف صفة للسورة، لأنه إذا تعلق بفأتوا عاد الضمير إلى العبد وحده كما حققته. ثم الظاهر في العبارة أنه إذا قصد إتيان مثل العبد بسورة أن يقال فليأت واحد آخر مثله بسورة، لكنه عدل إلى أمرهم بأن يأتوا من ذلك الواحد بسورة ترغيبا لهم في طلب ذلك الواحد وحثهم إياه على ذلك وتهيئتهم له ما يحتاج إليه من أسبابه ووسائله، وفيه من المبالغة ما ليس في أمر واحد غير معين بذلك الإتيان (قوله جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة) في الصحاح الشهادة الخبر القاطع تقول منه: شهد الرجل على كذا وشهد له بكذا: أي أدى ما عنده من الشهادة فهو شاهد، ويقال شهده شهودا: أي حضره فهو شاهد، والشهيد الشاهد (قوله ومعنى دون) هو في أصله للتفاوت في الأمكنة، يقال لمن هو أنزل مكانا من الآخر: هو دون ذلك، فهو ظرف مكان مثل عند، إلا أنه
(٢٤٣)