لا يتوقف على شرط ولا يتقيد بأمر، فما معنى تعليقه بانتفاء إتيانهم بسورة من مثله؟ وقد يوجه بأن الشرط حقه أن يكون سببا للجزاء وملزوما له، وليس عدم الإتيان بما ذكر سببا للاتقاء ولا ملزوما له، فكيف صح وقوعه جزاء له؟ وتقرير الجواب أن اتقاء النار ههنا وقع كناية عن ترك العناد وإنكار النبوة، ولا خفاء في كونه مشروطا بعدم الإتيان بالسورة واستبانة العجز عنه وكونه مسببا ولازما له. وقوله إنهم إذا لم يأتوا إلى ساقته ليس إشارة كما يتوهم إلى أن هناك شرطيتين على ما مر تقريرهما، كيف وسبب السبب سبب يربط به المسبب بلا حذف وإضمار، بل هو بيان لحاصل المعنى وإظهار لوجه الارتباط والسببية، يرشدك إلى ذلك قوله فقيل لهم إن استبنتم العجز فاتركوا العناد (قوله من حيث إنه) أي ترك العناد (من نتائجه) أي نتائج اتقاء النار ولوازمه. وقد أورد عليه أنه إذا كان ترك العناد لازما كان إطلاق الاتقاء عليه تعبيرا بالملزوم عن اللازم، فيكون مجازا لا كناية لابتنائها على عكس ذلك كما صرح به في المفتاح؟ وأجيب بأن معيار الفرق بينهما عند المصنف منافاة إرادة المعنى الحقيقي وعدمها كما ستعرفه في مواضع من كتابه هذا، وما اختاره السكاكي ممالا معول عليه. ألا ترى أنه قد اضطر إلى أن المجاز قد يكون بإطلاق اللازم على الملزوم كما في: أمطرت السماء نباتا: أي غيثا، وقد يكون بإطلاق الملزوم على اللازم نحو: رعينا الغيث، لكنه ادعى أن ذلك إنما يكون في اللازم المساوى فيرجع بالآخرة إلى إطلاق الملزوم على اللازم، وهذا مع كونه تكلفا مستغنى عنه جار في الكناية، إذ لا يتصور الانتقال من اللازم الأعم مالم يصر مساويا ولو بقرينة حالية فيعود ملزوما. وبالجملة لابد أن يكون المعنى الأصلي فيهما بحيث ينتقل منه الذهن إلى معنى المراد، فيكون الانتقال في كل منهما بهذا الاعتبار من الملزوم إلى لازمه في الذهن ولو بحسب القرائن كما ذكره بعضهم، إلا أنهم لما أرادوا باللازم ههنا ما هو تابع لغيره ورديف له، ولذلك عبر عنه العلامة باللصيق والضميم، وبالملزوم ما هو متبوع ومردوف، وكان أكثر الانتقالات من الروادف على طريقة الكناية اختير في المفتاح ذلك التعسف الذي لا طائل تحته (وهو) أي وضع " فاتقوا النار " موضع فاتركوا العناد (من باب الكناية التي هي شعبة من شعب البلاغة) أي فن من فنونها وأبلغ من التصريح كما بين في موضعه، فهذه فائدة عامة (وفائدته) الخاصة (الإيجاز) فقيل من حيث أن تلك الوسائط التي صرح بها في توجيه ارتباط الجزاء بالشرط مرادة بحسب المعنى
(٢٤٩)