الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٥٦
اعتبار التكرار في مفهومه بتداخل مراتب الجموع بعضها في بعض وأن لا يصح استثناء فرد أو فردين منه في الحكم الثاني والصواب كما دل عليه عبارة الكتاب أن استغراقه كاستغراق المفرد في تناول كل واحد واحد وإن شئت الإحاطة بتفاصيل الكلام في هذا المقام فعليك بالمصباح في شرح المفتاح (قوله فما المراد) يريد قد ذكرت أن الجمع المعرف باللام يصلح أن يراد به الجنس كله وأن يراد به بعضه لا إلى الواحد، فما المراد بالصالحات إذ لا يجوز أن يراد بها جنس الجمع مطلقا وإلا كفى الأقل وهو ثلاثة من الأعمال أو اثنان منها، ولا أن يراد الجنس كله إذ يمتنع أن يأتي بذلك كل أحد، وإن قصد التوزيع عاد المحذور، وهو أن يكفي من كل أحد ثلاثة أعمال أو اثنان، بل أقل بناء على انقسام الآحاد على الآحاد. والجواب أن ليس المراد الأقل ولا الكل على ما ذكر بل ما بينهما: أعني جميع ما يجب على كل مكلف بالنظر إلى حاله، فيختلف باختلاف أحوال المكلفين من الغنى والفقر والإقامة والسفر والصحة والمرض إلى غير ذلك، فيجب الزكاة والحج أو إتمام الصلاة أو تنجيز الصوم على واحد دون اخر، فمعنى قوله عملوا الصالحات أن كل واحد عمل جميع ما يجب عليه من الأعمال على حسب حاله، وفى ذلك شائبة توزيع، والقرينة على قصد هذا المعنى اختلاف أحوالهم في التكليف، وقوله (الصحيحة المستقيمة) إشارة إلى معنى الصالحة (والمواجب) جميع موجب بفتح الميم وكسر الجيم، وهو موضع الوجوب، والإضافة إلى التكليف للملابسة إذا أريد مواضع لزوم التكليف، قال زهير:
كأن عيني في غربى مقتلة * من النواضح (تسقى جنة سحقا) بالغ في تذراف الدموع من عينيه حيث اختار الغرب وهى الدلو العظيمة وثناها تنبيها على دوام الانسكاب لتعاقبهما في المجئ والذهاب، إذ لا يزال يصب واحدة ويرس أخرى، وذكر المقتلة وهى المذللة التي تخرج الدلو ملآى ووصفها بكونها من النواضح المتمرنة على هذا العمل، وأورد الجنة الدالة على الكثرة والالتفاف والنخل المفتقر إلى الماء الكثير خصوصا إذا كانت سحقا: أي طوالا صاعدة في الهواء وهو جمع سحوق وهو الطويل منها، فقد أطلق ههنا الجنة على النخيل، ولا ينافي ذلك قوله الجنة البستان الخ، إذ لا يعلم منه أنها نفس الأشجار أو الأرض التي هي فيها أو مجموعها، وكأن الظاهر أن يقول: كأن عيني غربا مقتلة لكنه أتى بكلمة " في " كأنه يدعى أن ما ينصب من الغربين منصب من عينيه (قوله وكأنها) أي الجنة معنى البستان المذكور (سميت بالجنة التي هي المرة) والاستدلال بسكنى آدم وحواء الجنة ظاهر، إذ المتبادر منها دار الثواب، وأما بمجيئها (في القرآن على نهج الأسماء الغالبة) فلأنه علم بالاستقرار أن مثل هذه الأسماء إنما يكون لموجودات محققة لا لأمور مقروضة مقدرة إلا نادرا كالساعة، وفى تشبيهها (بالنبي والرسول) إشارة إلى أنها بالغلبة لم تصر علما، ألا ترى أنها تعرف تارة
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 » »»