الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٠
مع فهو حاصل المعنى، وسيأتيك في نظيرتها زيادة تحقيق لها، و (البطحاء) مسيل واسع فيه دقاق الحصى، و (الدهناء) بالمد وقد تقصر أرض ببلاد تميم ذات رمال كثيرة، و (لم ينبض) أي لم يتحرك عطف على لم يتصد مع ما عطف عليه والضمير في (منهم) للفصحاء والبلغاء مضافين إلى العرب العرباء كأنه قيل: ولم ينبض من فصحائهم وبلغائهم، فيظهر رجوع الظمائر في قوله " مع اشتهارهم " وما بعده إلى العرب العرباء مطلقا على ما ينبغي من غير تفكيك بينها في النظم، و (العصبية) المحاماة وإضافة العرق لأدنى ملابسة: أي العرق الذي يتحرك عندها، وجاز أن يكون عرق العصبية استعارة مكنية وتخييلا ولم ينبض ترشيحا (مع اشتهارهم) حال من الضمير المجرور في منهم، وفائدتها دفع ما ربما يتخيل فيهم من المساهلة في تلك المعارضة والمحاماة (المضادة) المعاداة (والمضارة) الضرار، و (الشراشر) الأثقال واحدة شرشرة، يقال ألقى عليه شراشره: أي ثقله وجملته حرصا ومحبة (المعازة) بالزاي المعجمة المغالبة، وبالراء المهملة المضارة، من قولهم فلان يعر قومه: أي يدخل عليهم مكروها، أراد أنهم كانوا أعلاما في المغالبة والعصبية، يتحركون في المحاماة حرصا بالكلية، ثم لم يتحرك في معارضة القرآن أضعف عضو منهم لتناهى عجزهم في هذه القضية، وإنما تنجلى هذه النكتة على تقدير الإضافة لأدنى ملابسة لا على التخييل، لأن العرق حينئذ للعصبية لا لهم (دون المناضلة) أي قدام المراماة والمدافعة وفى أدنى مكان منها، و (الحسب) ما يحسبه الإنسان:
أي يعده من مفاخر نفسه أو آبائه، و (الخطط) عظائم الأمور وشدائدها جمع خطة بالضم، و (الشطط) مجاوزة الحد، و (المفخرة) بفتح الخاء وضمها وكسرها كل خصلة يفتخر بها، و (المأثرة) بالضم والفتح المكرمة لأنها تؤثر:
أي تذكر، والشرطيتان أعني إن أتاهم وإن رماهم بيان وتحقيق لما تقدمهما من الإفراط في المضادة وإلقاء الشراشر على المعازة ولقاء الخطط في المحافظة على الأحساب والذب عنها وركوب الشطط في كل مرام، ولفظة أحد بمعنى الواحد من العدد، وجاز أن يكون اسما لمن يصلح أن يخاطب به مطلقا إذا أول الكلام بالنفي: أي ما أتاهم أن بمفخرة إلا أتوه بمفاخر، إذ لا يستعمل في الإثبات إلا مع لفظة كل (قوله وقد جرد) جملة معترضة ذيل بها الكلام تقريرا وتأكيدا لجميع ما تقدم من أفحم إلى هذا المقام وفائدتها نفى أن يتوهم أنهم أهملوا في المعارضة طريقتهم المعهودة قلة مبالاة بها، إذ لا يتصور إهمالهم فيها مع إلجائهم عليها وقيل جملة حالية وعاملها إما فحم: أي أسكتهم عن المعارضة قاسرا لهم عليها بتجريد السيف عقيب الحجة، وإما لم يتصد: أي لم يتعرضوا لها حال كونهم مقسورين عليها، وفيه بحث لأن قوله " فلم يعارضوا " معطوف على " قد جرد " فهو حينئذ من تتمة الحال وتقييد الإفحام وترك التصدي بعدم المعارضة مما لا طائل فيه، وتجريد الحجة: تعريتها عن ملابس الشبهات، وتجريد السيف: انتضاؤه وتعريته عن عمده، فأريد به القدر المشترك بينهما، وأسند إلى الله مجازا لأنه الآمر به. وقيل تجريد الحجة منسوب إلى الله حقيقة، ويضمن في المعطوف فعل مثله ويسند إليه مجازا. وجاز أن يراد بالتجريد الإظهار مجازا ويسند إلى الله حقيقة: أي أظهر الحجة على لسان رسوله والسيف على يده: أي يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و (أولا) نصب على ظرفية بمعنى قبل: أي أبدأ بهذا أول، فيضم على الغاية كقوله افعله قبل
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»