تشتمل صلته على ما يشوق إلى الخبر تشويقا تاما، وإيراد الخبر بينهما وتعقيبه بالتفسير (تحاكت) أي تصاكت كناية عن شدة السعي وفرط المجاهدة في المسابقة. وقيل كناية عن تحاثي المتناظرين للمباحثة وبعده ظاهر. وقوله (حتى انتهى الأمر) أي في التباين والتفاضل غاية لقوله تباينت وما عطف عليه، أو لقوله عظم التفاوت والتفاضل وحده. وقوله (إلى أن عد) ناظر إلى قوله البحتري:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا * لدى المجد حتى عد ألف بواحد وفى عد ألف بواحد مبالغة ليست في عكسه حيث جعل الواحد أصلا قوبل به الألف، مع أن لفظ العد بالكثير أولى (المحاسن) جمع حسن على غير القياس كأنه قيل محسن (والنكتة) من النكت كالنقطة من النقط، ونكت الكلام أسراره ولطائفه لحصولها بالفكرة التي لا يخلو صاحبها عن نكت في الأرض بنحو الأصبع، بل لحصولها بالحالة الفكرية الشبيهة بالنكت (والفقر) جمع فقرة بسكون القاف، وهى في الأصل حلى يصاغ من ذهب على هيئة فقار الظهر، يستعار أولا لدقائق المعاني الشبيهة بذلك المصوغ، وثانيا لما هو في النثر بمنزلة البيت، إذ لا يخلو عن دقيق معنى غالبا عبر عن دقائق العلوم والصناعات بعبارات مختلفة نظرا إلى جهات متفاوتة، فسماها أولا بمحاسن النكت والفقر، وثانيا بلطائف معان، وثالثا بغوامض أسرار. ونكر الأخيرين قصدا إلى التفنن بإيراد طريقين التعريف والتنكير، وأيضا المنكر بالوصف أولى، وكرر الجار أعني كلمة من تنزيلا لتغاير الجهات منزلة تغاير الذوات. وقوله (لا يكشف) تأكيد وتقرير لمعنى الأصحاب، ومفعوله محذوف: أي لا يكشف الأستار (عنها) أي عن غوامض الأسرار، ومن ههنا يعلم أن مؤدى تلك العبارات ذات واحدة وإلا اختل نظام الكلام (من الخاصة) صفة مقدر هو فاعل: أي لا يكشف عنها أحد من الخاصة، و (أوحدهم) بدل منه وقد يجعل هو فاعلا من الخاصة حالا منه قدمت مرجعا للضمير، وفيه أن الأوحدي المضاف إلى ضمير الخاصة لا محالة يكون بينهم، فلا فائدة في هذه الحال سوى تأكيد نسبته إليهم، ويا ء النسبة في الأوحدي للمبالغة كالأحمري منسوب إلى اللفظ تنبيها على أنه عريق في معنى الواحدة يستحق أن يعبر عنه بالأوحد وينسب إليه (واسطتهم) أي خيرهم وأفضلهم من واسطة القلادة لأجود جوهرة في وسطها (وفصهم) أي مختارهم من فص الخاتم عقب الأوحدي بالأخص والواسطة بالفص لشدة ملاءمة بينهما، وأعاد كلمة إلا في الأخيرين إشارة إلى أنه باعتبار اتصافه بهما كأنه شخص آخر يستحق أن يستثنى مرة أخرى مبالغة في إثبات الحكم له من جهات متعددة، أو إلى أنه قصد استثناء آخر فلم يجد غيره، فاستثناء بحسب صفة أخرى تأكيدا لنفى الحكم عن غيره. وقيل الإعادة لعدم مجانستهما للأولين فلا يحسن انخراطهما في سلكهما، وهو قصور على ملاحظة اللفظ، والضمير في (عامتهم) للخاصة أي أكثر الخاصة عماة، والعمى يستعمل في البصر يقال رجل أعمى وقوم عمى، وفى البصيرة يقال رجل عمى القلب وقوم عمون، فإن حمل على الأول كان مستعار العمى البصر والأحداق ترشيحا، وإن حمل على الثاني كان الأحداق مستعارا للبصائر، وإنما عدل عن قياس الجمع إلى عماة جمع عام لمشاكلة عناة، وضمير (حقائقها)