وأما الذي مؤنثه الأولى فغير منصرف (إلا السيف وحده) من قبيل وضع المظهر موضع المضمر زيادة تصوير لمتعلق المعارضة، وأما قوله (على أن السيف) فليس من هذا القبيل إذ المراد به الجنس لا السيف الذي جرد.
الظرف حال يبين أن معارضتهم بالسيف مع الخلو عن الحجة مما لا يعتد بها، وقد أحاطوا بذلك علما، والعامل فيها لم يعارضوا بعد انتقاض النفي: أي عارضوا بالسيف وحده عالمين بهذه القضية مستعلين عليها: شبه حالهم في العلم بها وإتقانها بحال من اعتلى الشئ وركبه، فاستعير لها كلمة على، هذا ما وعدناك تحقيقه، والقاضب: القاطع (والمخراق) منديل يلف ليضرب به عند اللعب (وإمضاء الحجة حد السيف) تقوية شأنه وترجيح جانبه كأنها تجعل حده: أي غراره قاضبا: أي قاطعا، ولا يخفى على كل ذي مسكة أنهم إذا آثروا المحاربة بالسيف والسنان وبذل الأرواح على المقاولة باللسان مع علمهم بأنهم ليسوا في ذلك على شئ، فقد شاهدوا عجزهم عن المعارضة بالمرة وأحاطوا به علما، فلذلك قرعة عليهم قائلا (فما أعرضوا الخ) (زخر البحر) أي ماج وامتلأ (وطم) أي غلب وعلا، يقال جاء السيل فطم على الركية: أي دفنها وسواها (والكواكب) الأول جمع كوكب الماء وهو مجتمعه والثاني جمع كوكب السماء. مثل أولا حالهم في تلاشى شبههم واضمحلال مزخرفاتهم لظهور المعجزة الباهرة والحجة البالغة الظاهرة بحال كواكب المياه وغدر انها في اندراسها بزخر البحر الخضم وطمه عليها، وثانيا بحال الكواكب حين أشرقت عليها الشمس وطمست أنوارها ومحت آثارها. وقد يقال أستعير البحر والشمس لبلاغة القرآن والكواكب بالمعنيين لبلاغاتهم، ثم رشحت باستعارة الزخر والإشراق لظهورها، واستعارة الطم والطمس لغلبتها عليها، وهو تكلف مستغنى عنه (قوله والصلاة) معطوف على التحمد الذي بناه على الإنزال والايحاء، ولما قصد زيادة الملاءمة بينهما قال (خير من أوحى إليه) دون أرسل، وليس في أوحى ضمير راجع إلى القرآن لفساد المعنى، بلى الظرف قائم مقام فاعله. فضله أولا على الأنبياء ثم وصفه بما هو منشأ كل سعادة وكمال، ثم كناه وسماه استلذاذا وتبكرا، ثم ذكر نسبة العالي إلى هاشم، ثم شرع في حسبه فذكر علو شأنه وظهور سلطانه، وقدم فيه الجد الأعلى وهو لؤي على الأدنى وهو قصي، لأن رفعة القطر ونفاذ الأمر في أعلى القبائل أدل على عظم المكانة. ثم عقب بذكر باقي أحسابه من كونه مثبتا بالعصمة مؤيدا بالحكمة: أي العلم المشفوع بالعمل واشتهار فضائله وكونه نبينا أميا مبشرا به في الكتاب السابقة (اللواء) العلم (وذي اللواء المرفوع في بنى لؤي) كناية عن سيادته عليهم وكونه مطاعا فيهم (ذي الفرع) أي ذي العلو والرفعة من قولهم فرعت القوم: علوتهم بالشرف أو بالجمال، و (المنيف المشرف العالي من أناف على كذا أشرف عليه، ويجوز أن يراد بالفرع الغصن، فشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء مستظل بها، فذي استعارة مكنية، والفرع تخييل، والمنيف ترشيح. وأن يراد به السيد يقال هو فرع قومه: أي سيدهم فيكون تجريدا مبالغة في سيادته. وقد يقال الفرع مستعار لأولاده، إشارة إلى شرف فروعه كأصوله أو للنبي، وذي الفرع صفة لؤي، وذي اللواء صفة هاشم، ولا