المطابق لما في اللوح المحفوظ كان بأمر من الله وتعليم الرسول (قوله وأوحاه) تقول: ويحث إليه كلاما وأوحيت:
إذا كلمته بكلام تخفيه عن غيره (قوله على قسمين) ظرف مستقر وقع حالا عن المفعول، و (قوله متشابها ومحكما) معا بدل عن الحال: أي أوحاه متشابها ومحكما، وجوز النصب على التمييز من قسمين: لنوع إيهام فيه، أو على المدح، واستعماله منكرا أكثر، أو على أنه حال من المستتر في علي قسمين، وفيه بعد لأن تقييد كونه على قسمين بأنه في حال كونه قسمين مخصوصين مما لا يرتضيه ذوق سليم، أو على أنه حال أخرى مرادفة للأولى. ولا يخفى أن الإبدال أوقع في المعنى من جعل الأولى مقصودة بذاتها، أو على أنه بدل من محل المجرور، فإنه منصوب المحل بإيصال الجار معنى الفعل إليه، كما عطف على محله في قولك: مررت بزيد وعمرا: أي جاوزت زيدا وعمرا، وفيه ضعف ظاهر، إذ ليس لتقدير الناصب ههنا ظهور كما في المثال المذكور. ومنهم من قدر الكلام في الوجه الأخير هكذا أوحاه على متشابه ومحكم. واعترض عليه بأن هذا التقدير إنما هو على الإبدال من لفظ المجرور لو كان صحيحا لا على الإبدال من محله. فأجاب بأن المنصوب المحل هو المجرور وحده، فالتابع للمحل بمنزلة الواقع بعد حرف الجر، أو لا ترى أن معنى قوله * يذهبن في نجد وغورا غائرا * في غور، وهو مردود بأن التابع المنصوب لفظا لما هو منصوب محلا يحتاج إلى تقدير عامل ينصب المتبوع أولا ثم ينصب التابع إما بانسحاب أو بتقدير مثله، فالتابع للمنصوب بمنزلة متبوعه من حيث هو منصوب لامن حيث هو مجرور، فلا مجال لاعتبار الجار في التابع المذكور من حيث هو كذلك. وأما أن قوله غورا معناه في غور فلأنه ظرف لابد فيه بحسب المعنى من تقدير في، سواء كان معطوفا على محل المجرور كما في البيت، أو على منصوب لفظا كما لو قيل: يذهبن نجدا وغورا غائرا.
وقد فسر في آل عمران المحكم بما أحكمت عبارته بأن حفظت عن الاحتمال والاشتباه، والمتشابه بما تكون عبارته مشتبهة محتملة، فقوله والاشتباه عطف تفسيره كما تشعر به عبارته في تفسير المتشابه، فالمحكم عنده ما ليس فيه اشتباه والتباس: أي هو المتضح المعنى، والمتشابه خلافه فيندرج في المحكم النص والظاهر، وفى المتشابه المجمل والمؤول كما هو المصطلح عليه في أصول الشافعية، ولتقابلهما يشملان جميع أقسام النظم المذكور في أصول الحنفية (وفصله سورا وسوره آيات، وميز بينهن بفصول وغايات) سورا إما حال أو مفعول ثان على التضمين:
أي جعله سورا أو تمييزا: أي فصل سوره، وسيرد عليك في الكتاب معنى السورة في تفسير قوله - فأتوا بسورة من مثله - وهناك تذكر ما قيل في معنى الآية والضمير في بينهن للسور والآيات معا. وأراد بالفصول أواخر الآي لأنها تسمى فواصل، وبالغايات أو اخر السور، والمعنى أوقع التمييز بين السور بعضها مع بعض بالغايات، وبين الآيات بعضها مع بعض بالفصول. وقل يقال الضمير للآيات وحدها وأراد بالفصول الوقوف وبالغايات فواصل الآي.
فإن قلت: مساق الكلام يقتضى أن يكون لما وصف به الله تعالى كالإنزال والتنزيل ولما وصف به القرآن من التأليف والتنظيم مدخل في اقتضاء الحمد فما وجهه؟:
قلت: لما كان القرآن مرشدا للعباد إلى مصالح المعاش والمعاد كان إنزاله عليهم نعمة جزيلة وكونه مؤلفا منظما من مفردات وجمل على أحسن وجوه البلاغة وسيلة إلى أن تدرك منه مقاصد دينية ودنيوية على أبلغ وجه وأكمله فيوجب زيادة في تلك النعمة، وتمزيله منجما على حسب الحوادث فيه تسهيل ضبط الأحكام والوقوف على دقائق نظم الآيات.
وفى الافتتاح بالتحميد تنبيه للتالي على أن يحمد الله على نعمة التوفيق استجلابا للمزيد واستدامة للعتيد، وفى الاختتام