قوله (أرأيت) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله على وجه التعجيب له من الكافر (الذي يكذب بالدين) وذهابه عن الايمان به مع وضوح الامر فيه وقيام الدلالة على صحته والمراد بالدين الجزاء من الثواب والعقاب، فالتكذيب بالجزاء من أضر شئ على صاحبه، لأنه يعدم به أكثر الدواعي إلى الخير، والصوارف عن الشر، فهو يتهالك في الاسراع إلى الشر الذي يدعوه إليه طبعه لا يخاف عاقبة الضرر فيه.
وقوله (فذلك الذي يدع اليتيم) وصف الذي يكذب بالدين، فبين أن من صفته أنه يدع اليتيم، ومعناه يدفعه عنفا، وذلك لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه، فليس له رادع عنه، كما لمن يقر بأنه يكافئ عليه، دعه يدعه دعا إذا دفعه دفعا شديدا، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة (يدع اليتيم) معناه يدفعه عن حقه. وقوله (ولا يحض على طعام المسكين) معناه ولا يجث على طعام المسكين بخلا به، لأنه لو كان لا يحض عليه عجزا عنه لم يذم به، وكذلك لو لم يحض عليه من غير قبيح كان منه لم يذم عليه، لان الذم لا يستحق إلا بما له صفة الوجوب إذ أخل به أو القبيح إذا فعله على وجه مخصوص.
وقوله (فويل للمصلين) تهديد لمن يصلي على وجه الرياء والسمعة. إنما أطلق مع أنه رأس آية يقتضي تمام الجملة، لأنه معرف بما يدل على أنه أراد من يصلي على جهة الرياء والنفاق. ثم بين ذلك بقوله (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال ابن عباس ومسروق: معناه يؤخرونها عن وقتها، وقال قتادة: معناه غافلون وقال مجاهد: لاهون كأنهم يسهون للهوهم عنها واللهو يوجب تأخيرها عن وقتها لأنه قال عن صلاتهم. وقيل: ساهون فيها (الذين هم يراؤن) معناه إنه يراؤن بصلاتهم الناس دون أن يتقربوا بها إلى الله. وإنما ذم السهو في الصلاة مع أنه ليس من فعل العبد بل هو من فعل الله، لان الذم توجه في الحقيقة على التعرض للسهو