في ما يرجع إلى مقدار الحق فلا يكون تطفيفا، ولفظة (المطفف) صفة ذم لا تطلق على من طفف شيئا يسيرا إلى أن يصير إلى حال تتفاحش، وفي الناس من قال:
لا يطلق حتى يطفف أقل ما يجب فيه القطع في السرقة، لأنه المقطوع على أنه كبيرة.
وقوله (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) فالاكتيال الاخذ بالكيل ونظيره الاتزان وهو الاخذ بالوزن، والاعتداد الاخذ بالعدد، يقال: اكتال يكتال اكتيالا، وكاله يكيله كيلا وكايله مكايلة وتكايل تكايلا، وإنما ذكر في الذم (إذا اكتالوا على الناس يستوفون) ليبين منزلتهم في تعدي الحق بأنهم لم ينقصوا الناس عن طريق مسامحة يعاملون الناس بمثل ذلك بل على محض الظلم في البخس. ويقال:
اكتالوا ما عليهم بمعنى اخذوا ما عليهم، واكتالوا منهم أي استوفوا منهم. وقيل:
على الناس، فكنى عنهم. وقوله (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) كان عيسى ابن عمر يجعل (هم) فصلا في موضع رفع بمعنى الفاعل. والباقون يجعلونه في موضع نصب، وهو الصحيح، وهو قول أكثر المفسرين. وأهل الحجاز يقولون:
وزنتك حقك وكلتك طعامك. وغيرهم يقولون: كالوا لهم ووزنوا لهم، وفي الكتاب (كالوهم أو وزنوهم) بلا الف. ومن قال تقديره: كالوا لهم أو وزنوا لهم، قال حذف (لهم) للايجاز من غير اخلال بالمعنى، ويقال أخسر وخسر لغتان إذا نقص الحق.
وقوله (ألا يظن أولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم) تبكيت للكافر ولكل ظالم وباخس حق غيره في صورة الاستفهام. و (الظن) ههنا بمعنى العلم، وتقديره ألا يعلم أنه يبعث يوم القيامة ويجازى على افعاله من طاعة أو معصية فيجازى بحسبها في اليوم الذي وصفه بأنه يوم عظيم. ويحتمل أن يكون المراد بالظن الحسبان أيضا من ظن الجزاء والبعث وقوي في نفسه ذلك، وإن لم يكن عالما يجب عليه أن