هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يقول له (يا أيها المدثر) واصله المتدثر بثيابه، فأدغمت التاء في الدال، لأنها من مخرجها مع أن الدال أقوى بالجهر فيها، يقال: تدثر تدثرا ودثره تدثيرا، ودثر الرسم يدثر دثورا إذا محي أثره، فكأنه قال: يا أيها الطالب صرف الأذى بالدثار اطلبه بالانذار.
وقوله (قم فأنذر) أمر من الله تعالى له أن يقوم وينذر قومه، والانذار الاعلام بموضع المخافة ليتقى، فلما كان لا مخافة أشد من الخوف من عقاب الله كان الانذار منه اجل الانذار، وتقديره قم إلى الكفار فأنذر من النار.
وقوله (وربك) منصوب ب (كبر) والتكبير وصف الأكبر على اعتقاد معناه كتكبير المكبر في الصلاة بقوله الله أكبر، والتكبير نقيض التصغير، ومثله التعظيم. والكبير الشأن هو المختص باتساع المقدور والمعلوم من غير مانع من الجود فالله تعالى قادر لا يعجزه شئ، وعالم لا يخفى عليه شئ لا يمنعه من الجود على عباده شئ، فهو أكبر من كل كبير بما لا يساويه شئ، واختصاصه بالمقدور والمعلوم بأنه ما صح من مقدور أو معلوم فهو قادر عليه عالم به فهو لنفسه كبير وأكبر من كل كبير سواه.
وقوله (وثيابك فطهر) أي وطهر ثيابك فهو منصوب به. والطهارة النظافة بانتفاء النجاسة، لان النظافة قد تكون بانتفاء الوسخ من غير نجاسة، وقد تكون بانتفاء النجاسة. فالطهارة في الآية هو القسم الأخير. وقال ابن عباس (وثيابك فطهر) معناه من لبسها على معصيته، كما قال سلامة بن غيلان الثقفي - انشده ابن عباس:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر * لبست ولا من غدة أتقنع (1)