فقال الله تعالى (ولله خزائن السماوات والأرض) بمعنى له مقدوراته في السماوات والأرض، لان فيها كل ما يشاء إخراجه، وله خزائن السماوات والأرض يخرج منهما ما يشاء. وهي داخلة في مقدوراته، والخزانة - بكسر الخاء - موضع يخبأ فيه الأمتعة، وإذا كان لله خزائن السماوات والأرض، فلا يضرك يا محمد ترك انفاقهم بل لا يضرون إلا أنفسهم دون أولياء الله والمؤمنين الذين يسبب الله قوتهم ولو شاء الله تعالى لاغنى المؤمنين، ولكن فعل ما هو أصلح لهم وتعبدهم بالصبر على ذلك لينالوا منزلة الثواب (ولكن المنافقين لا يفقهون) ذلك على الحقيقة لجهلهم بعقاب الله تعالى.
ثم اخبر عنهم فقال (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز) يعنون نفوسهم (منها الأذل) يعنون رسول الله والمؤمنين. وقيل: إن القائل لذلك في غزوة المريسيع، كان عبد الله بن أبي بن سلول، فقال الله تعالى (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) دون المنافقين والكفار (ولكن المنافقين لا يعلمون) ذلك فيظنون ان العزة لهم، وذلك بجهلهم بصفات الله وما يستحقه أولياؤه وما يعمل بهم. والأعز الأقدر على منع غيره وأصل الصفة المنع فلذلك لم يكن أحد أعز من الله ولا أذل من المنافق.
ثم خاطب المؤمنين فقال (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم) أي لا تشغلكم أموالكم (ولا أولادكم عن ذكر الله) قال قوم: الذكر المأمور به هو ذكر الله بالحمد والشكر والتعظيم بصفاته العليا وأسمائه الحسنى، ويقال: ألهيته عن الامر إذا صرفته عنه بما يمنعه قال امرؤ القيس:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فألهيتها عن ذي تمائم محول (1)