التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٠٩
الغضب. ثم بين تعالى بماذا انتقم منهم، فقال " فأغرقناهم أجمعين " ثم قال " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " فالسلف المتقدم على غيره قبل مجيئ وقته، ومنه السلف في البيع. والسلف نقيض الخلف. ومن قرأ - بضم السين واللام - فهو جمع سليف من الناس، وهو المتقدم أمام القوم. وقيل: معناه " جعلناهم سلفا " متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. وقال قتادة: جعلناهم سلفا إلى النار ومثلا أي عظة للآخرين. والمثل بيان عن أن حال الثاني كحال الأول بما قد صار في الشهرة كالعلم، فحال هؤلاء المشركين كحال من تقدم في الاشراك بما يقتضي أن يجروا مجراهم في الاهلاك إن أقاموا على الطغيان.
ثم قال الله تعالى " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " قيل: المراد بذلك لما ضرب الله المسيح مثلا بآدم في قوله " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم " (1) اعترض على النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك قوم من كفار قريش، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ووجه الاحتجاج في شبه المسيح بآدم ان الذي قدر أن ينشئ آدم من غير ذكر قادر على إنشاء المسيح من غير ذكر، فلا وجه لاستنكاره من هذا الوجه. وقيل: إنه لما ذكر المسيح بالبراءة من الفاحشة وانه كآدم في الخاصة، قالوا: هذا يقتضي ان نعبده كما عبده النصارى. وقيل: انه لما نزل قوله " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " (2) قالوا قد رضينا أن يكون آلهتنا مع المسيح. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يوما لعلي عليه السلام (لولا أني أخاف ان يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولا لا تمر بملاء إلا اخذوا التراب من تحت قدميك) انكر ذلك جماعة من المنافقين، وقالوا: لم برض

(1) سورة 3 آل عمران آية 59 (2) سوره 21 الأنبياء آية 98.
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست