الآيات (يضحكون) جهلا منهم بما عليهم من ترك النظر فيها، وما لم من النفع بحصول علمهم بها. وفى الخبر عن ضحك أولئك الجهال عند ظهور الآيات زجر عن مثل حالهم ودعاء إلى العلم الذي ينافي الجهل. وفيه أيضا أنه لا ينبغي ان يلتفت إلى تضاحك أمثالهم من الأدلة إذا كان الانسان على يقين من أمره.
والأنبياء كلهم يشتركون في الدعاء إلى الله باخلاص عبادته وطاعته في جميع ما يأمر به أو ينهى عنه، ودعوتهم إلى محاسن الافعال ومكارم الخلاق وإن اختلفت شرائعهم وتباينت مللهم ونسخت بعضها بعضا.
وقوله (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) معناه إنه تعالى لا يريهم يعني فرعون وقومه معجزة ولا دلالة إلا وهي أكبر من الأخرى عند إدراك الانسان لها لما يهوله من أمرها، فيجد نفسه يقضي أنها أكبر كما يقول الانسان:
هذه العلة التي نزلت بي أعظم من كل علة، وهو يريد أن لها مزية أعظم منها لا انه ذهب هول الأولى بانصرافها وحكم الثانية بحضورها. وقال قوم: المعنى وما نريهم من آية إلا هي أهول في صدورهم من التي مضت قبلها.
ثم قال تعالى (واخذناهم بالعذاب) إذ عصوا فيها، وفكروا بها (لعلهم يرجعون) إلى طاعته وإنما جاز أخذهم بالعذاب ليرجعوا مع العلم بأنهم لا يرجعون لامكان أن يرجعوا إليه، لان كلما في المعلوم أنه لا يقع لا يجوز أن يفعل العالم شيئا من أجل انه سيقع ولكن يجوز أن يفعل شيئا لامكان أن يقع والمعنى - ههنا - لعلهم يرجعون إلى طريق الحق الذي ذهبوا عنه إلى طريق الباطل.
ثم حكى تعالى ما قال فرعون وملاءه لموسى عند ذلك فإنهم (قالوا يا أيها الساحر أدع لنا ربك بما عهد عندك إنا لمهتدون) وقال قوم: إنما قالوا له يا أيها الساحر لجهلهم بنبوته وصدقه واعتقادهم انه سحرهم بذلك. وقال قوم: