التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٥
ولا يعقد عليه، فالجار المجير. وقوله " فلما تراءت الفئتان " معناه، فلما التقتا ورأي بعضهم بعضا " نكص " يعني إبليس " على عقبيه " والنكوص هو الرجوع ققهرى خوفا مما يرى. نكص ينكص نكوصا، قال زهير.
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا * لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا (1) واختلفوا في ظهور الشيطان لهم حتى رأوه، فقال ابن عباس، والسدي وقتادة، وابن إسحاق: ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي في جماعة من جنده، وقال لهم: هذه كنانة قد أتتكم نجدة، فلما رأى الملائكة " نكص على عقبيه " فقال الحارث بن هشام إلى أين يا سراقة، فقال " اني أرى ما لا ترون " وهو قول أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وقيل إنه رأى جبرائيل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله. وقال أبو علي الجبائي حوله الله على صورة إنسان علما للنبي صلى الله عليه وآله بما يخبر به عنه. وقال الحسن والبلخي: إنما هو يوسوس من غير أن يحول في صورة انسان.
وقوله " اني أخاف الله والله شديد العقاب " حكاية عن قول إبليس حين ولى فقال لقريش اني أرى من الملائكة ما لا ترون اني أخاف الله والله شديد العقاب.
وإنما خافه من أن يأخذه في تلك الحال بعقوبته دون أن يكون خاف معصيته فامتنع منها.
قال الحسن: إبليس عدو الله لا يخاف الله لكن كلما استؤصل جند من جنوده وقعت بذلك عليه مخافة وذلة. وقال البلخي هو كقولك للرجل جمعت بين الفريقين حتى إذا وقع الشر بينهم خليتهم وانصرفت، وقلت اعملوا ما شئتم وتريد بذلك انك خليت بينهم دون أن يكون هناك قول، والأول هو المشهور في التفاسير.

(1) ديوانه 159 من قصيدته في هرم بن سنان. والطبري 14 / 11 و (حبيك البيض) طرائق حديد. و (البيض) الخوذ من سلاح المحارب. و (حموا) من الحمية، وهي الأنفة والغضب.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست