وقوله: " إن الله قوي " معناه قادر وقد يكون القوي بمعني الشديد، وذلك لا يجوز اطلاقه على الله، وكذلك لا يوصف بأنه شديد العقاب وإنما وصف عقابه بأنه شديد دون الله تعالى.
فمعنى الآية تشبيه حال المشركين في تكذيبهم بآيات الله التي اتى بها محمد صلى الله عليه وآله بحال آل فرعون في التكذيب بآيات الله التي اتى بها موسى عليه السلام لان تعجيل العقاب لهؤلاء بالاهلاك كتعجيله لأولئك بعذاب الاستئصال.
قوله تعالى:
ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم (54) آية.
الإشارة بقوله: " ذلك " إلى ما تقدم ذكره من اخذ الله الكفار بالعقاب فكأنه قال ذلك العقاب المدلول عليه بأن الله لا يغير النعمة إلى النقمة إلا بتغيير النفس إلى الحال القبيحة، ف " ذلك " ابتداء وخبره " بان الله " كما يقول القائل: العقاب بذنوب العباد، والكاف في " ذلك " للخطاب و " ذلك " إشارة إلى البعيد و " ذاك " إشارة إلى ما دونه، و " ذا " إشارة إلى ما هو حاضر. وقوله " لم يك " أصله يكون فحذفت الواو للجزم والتقاء الساكنين، ثم حذفت النون استخفافا لكثرة الاستعمال مع أنه لا يقع بالحذف إخلال بالمعنى، لان " كان ويكون " أم الافعال الا ترى أن كل فعل فيه معناها، لأنك إذا قلت ضرب معناه كان ضرب: ويضرب معناه يكون يضرب فلما قربت بأنها أم الافعال وكثر استعمالها احتمل الحذف ولم يحتمل نظائرها، وذلك مثل لم يجز ولم يصن كما جاز فيما. والتغيير تصيير الشئ على خلاف ما كان بما لو شوهد لشوهد على خلاف ما كان. وإنما قيل بما لو شوهد لشوهد على خلاف ما كان للتفريق بينه وبين ما يصير على خلاف ما كان بالحكم فيه بما لم يكن عليه،