التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٢
هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين خاصة يأمرهم بأنهم إذا لقوا جماعة من الكفار لحربهم أن يثبتوا ويذكروا الله كثيرا، ويستنصروه عليهم لكي يفلحوا ويفوزوا بالظفر بهم، وبالثواب عند الله يوم القيامة. وقد بينا ان معنى الايمان هو التصديق بما أوجبه الله على المكلفين أو ندبهم إليه. والفئة الجماعة المنقطعة من غيرها وأصله من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته. والثبوت حصول الشئ في المكان على استمرار، يقال لمن استمر على صفة: قد ثبت كثبوت الطين. والذكر ضد السهو، وقد يكون الذكر القول من غير سهو. والفئة المذكورة في الآية وان كانت مطلقة، فالمراد بها المشركة أو الباغية، لان الله لا يأمر المؤمنين بالثبوت لقتال أحد الا من هو بهذه الصفة، ولا يأمر بقتال المؤمنين.
قوله تعالى:
وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (47) آية.
أمر الله تعالى هؤلاء المؤمنين الذين ذكرهم بأن يطيعوا الله ورسوله، ولا يختلفوا فيضعفوا عن الحرب. والعامل في " فتفشلوا " الفاء التي هي بدل من (أن) على معنى جواب النهي كقولك لا تأت زيدا فيهينك، ولذلك عطف بالنصب في قوله " وتذهب ريحكم " عليه.
وقوله " وتذهب ريحكم " معناه كالمثل أي ان لكم ريحا تنصرون بها يقال ذهب ريح فلان اي كان يجري في امره على السعادة بريح تحمله إليها، فلما ذهبت وقف امره، فهذه بلاغة حسنة. وقيل: المعنى ريح النصرة التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله، في قول قتادة وابن زيد. وقيل: تذهب دولتكم، من قولهم ذهب ريحه، أي ذهبت دولته. في قول أبي عبيدة وأبي علي. وقال عبيد
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست