التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨٢
أن الروم مع كثرتهم لا يؤمنون جملة إلا أنه ليس يمتنع مع ذلك أن يؤمنوا، لان الله كلفهم الايمان، فلو لم يكن ذلك جائزا لما كلفهم.
قوله تعالى:
واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (37) آية في هذه الآية اخبار من الله تعالى عما أمر به - عز وجل - نوحا عليه السلام حين أيأسه من ايمان قومه فيما بعد، وأنه مهلكهم بالطوفان. بأن يتخذ الفلك ويصنعها، والصنع جعل الشئ موجودا بعد أن كان معدوما، ومثله الفعل، وينفصلان من الحدوث من حيث أن الصنعة تقتضي صانعا، والفعل يقتضي فاعلا من حيث اللفظ، وليس كذلك الحدوث، لأنه يفيد تجدد الوجود لا غير. والصناعة الحرفة التي يكتسب بها، والفلك السفينة، ويكون ذلك واحدا وجمعا، كما قيل في أسد وأسد قالوا: في فلك وفلك، لان (فعلا وفعلا) جمعهما واحد، ويأتيان بمعنى واحد كثيرا يقال عجم وعجم، وعرب وعرب، ومثله فلك وفلك.
والفلك والفلكة يقال لكل شئ مستدير أو شئ فيه استدارة، وتفلك ثدي المرأة إذا استدار، ومنه الفلك. وقوله " بأعيننا " معناه بحيث نراها وكأنها ترى بأعين على طريق المبالغة، والمعنى بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك.
وقال الجبائي بأعين أوليائنا من الملائكة الذين يعلمونك كيفية عملها، والموكلين بك. وقيل: معناه بعلمنا. وقوله " ووحينا " اي على ما أوحينا إليك من صفتها وحالها. قال ابن عباس: امره الله تعالى ان يبنيها على هيئة جؤجؤ الطائر. ويجوز أن يكون المراد بوحينا إليك أن أصنعها. وقوله " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " نهي لنوح عليه السلام أن يراجع الله تعالى ويخاطبه ويسأله في أمرهم
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»
الفهرست