التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٧١
اي لم يفعلوه بنظر فيه ولا بتبين له. ومن همز أراد اتبعوك في أول الأمر من غير فكر فيه ولا روية، والقراءتان متقاربتان، لان الهمز في اللام منها ابتداء الشئ وأوله وابتداء الشئ يكون ظهورا، وإن كان الشئ الظاهر قد يكون مبتدأ وغير مبتدأ، فلذلك يستعمل كل واحد منهما مكان الاخر يقولون: انا بادي بدا وبادئ بدء، فاني أحمد الله.
أخبر الله تعالى في هذه الآية عن جماعة الرؤساء من قوم نوح الذين كفروا وجحدوا نبوته أنهم قالوا له " ما نراك الا بشرا مثلنا " والبشر مأخوذ من ظهور البشرة، لان الغالب على الحيوان غير الانسان أن يلبس البشرة منه بالصوف أو الشعر أو الريش أو الصدف. والانسان مأخوذ من النسيان، لأنهم يصغرونه إنيسيان ويجوز أن يكون من الانسان الا أنهم زادوا الياء في التصغير. والمثل ما سد مسد غيره في الجنس بمعني أنه لو ظهر للمشاهد لسد مسده كما يسد الأسود مسد الأسود في الجنس من غير فضل. وقوله " ما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا " حكاية أيضا عما قاله قوم نوح من أنه ما نرى من اتبعك الا أنه رذل خسيس حقير من جماعتنا تقول: رذل وجمعه أرذل، وجمع الجمع أراذل مثل كلب وأكلب وأكالب والعامل في (الذين) قوله " اتبعك " كأنه قال ما اتبعك الا الذين هم أراذلنا ونراك ملغى، ذكره الفراء. قال أبو علي النحوي: هو نصب على الحال، والعامل فيه (اتبعك) وأخر الظرف وأوقع بعد (الا) ولو كان غيره لم يجز، لان الظرف اتسع فيه في مواضع. ومعنى " بادئ الرأي " أول الرأي ما نراهم. والرأي والرؤية من قوله " يرونهم مثليهم رأي العين " (1) وهو نصب على المصدر كقولك ضربته أول الضرب. وقال الزجاج: نصبه ب‍ (اتبعوك أول الرأي) من غير فكر كأنه قيل اتبعوك رأيا غير سديد، ومن قرأ بادي الرأي بلا همز أراد ظاهر الرأي قال الشاعر:

(1) سورة 3 آل عمران آية 13
(٤٧١)
مفاتيح البحث: اللبس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 ... » »»
الفهرست