التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨٣
بأن يمهلهم، ويؤخر إهلاكهم، لأنه حكم بإهلاكهم وأخبر بأنه سيغرقهم، فلا يكون الامر بخلاف ما أخبر به. ويجوز الامر بما علم أنه لا يكون، ولا يجوز أن يدعو بما يعلم أنه لا يكون، لان في ذلك إيهاما بأنه لا يرضى باختياره، وليس كذلك الامر، لأنه يتناول من يجوز عليه هذا المعنى. وكسر (إنهم) على الابتداء.
قوله تعالى:
ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39) آيتان أخبر الله تعالى في هذه الآية عن نوح أنه أخذ في عمل السفينة، قال الحسن:
كان طولها ألف ذراع ومئتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع. وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ذراعا، وارتفاعها ثلاثين ذراعا، وبابها في عرضها وقال ابن عباس: كانت ثلاث طبقات طبقة للناس، وطبقة للطير وطبقة للدواب والوحش.
وقوله " وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه " اخبار من الله عن أشراف قومه ورؤسائهم أنهم كلما اجتازوا به وهو يعمل السفينة هزئوا من فعله. وقيل:
إنهم كانوا يقولون: يا نوح صرت نجارا بعد النبوة على طريق الاستهزاء. وقال الرماني: السخرية إظهار خلاف الباطن على جهة يفهم منها استضعاف العقل ومنه التسخير: التذليل استضعافا بالقهر. والفرق بين السخرية واللعب أن في السخرية خديعة واستنقاصا، ولا يكون إلا الحيوان، وقد يكون اللعب بجماد لأنه طلب الفرجة من غير مراعاة لما يعقب، كفعل الصبي. وإنما كانوا يسخرون من
(٤٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 ... » »»
الفهرست