التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨٦
اعلم الله نوحا في هذه الآية ان وقت هلاك قومه الكفار فور التنور، وفي (التنور) أقوال: منها أن الماء إذا فار من التنور الذي يخبز فيه. وقيل: التنور عين ماء معروفة، وتنور الخابزة وافقت فيه لغة العرب العجم. وقيل: ان التنور وجه الأرض، ذكره ابن عباس، واختاره الزجاج. وقيل التنور تنور الصبح، وروي ذلك عن علي عليه السلام. و (حتى) متعلقة بقوله " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا.. حتى ".
أخبر الله تعالى أنه لما جاء أمره باهلاك قوم نوح عليه السلام لاستحقاقهم ذلك بالكفر، وفار التنور يعني خروج الماء من موضع لم يعهد خروجه منه علامة لنوح عليه السلام وهو تنور الخبز - في قول ابن عباس والحسن ومجاهد - وقيل: هو تنور آدم عليه السلام ويقال: فار إذا ارتفع ما فيه، كما يفور القدر بالغليان، فار يفور فورا وفؤرا. وقال ابن عباس: فار إذا نبع. وقوله " قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين " إخبار منه تعالى أنه أمر نوحا أن يحمل معه في سفينته من كل جنس زوجين: والزوج واحد له شكل إلا أنه قد كثر على الرجل الذي له امرأة:
قال الحسن: في قوله " من كل شئ خلقنا زوجين " فالسماء زوج، والأرض زوج والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الامر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شئ قال الأعشى:
وكل زوج من الديباج يلبسه * أبو قدامة محبوا بذاك معا (1) وقوله " وأهلك " معناه واحمل معك أهلك " الا من سبق عليه القول " بالاهلاك قال الضحاك وابن جريح: هو ابنه وامرأته. وقوله " ومن آمن " تقديره واحمل من آمن. ثم أخبر تعالى فقال " وما آمن معه الا قليل ". قال ابن جريح: القليل الذين نجو معه كانوا ثمانية. وقال الأعمش: كانوا سبعة، وقال ابن عباس:
كانوا ثمانين، وكان فيهم ثلاثة: بنيه: يافث، وسام، وحام. وثلاث كائن له

(١) ديوانه ٨٦ وتفسير القرطبي ٩ / 35
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»
الفهرست