التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٧٥
وقوله " ولكني أراكم قوما تجهلون " معناه أراكم تجهلون انهم خير منكم لايمانهم بربهم وكفركم به.
وقال قوم: إنهم قالوا له إن هؤلاء اتبعوك طمعا في المال على الظاهر دون الباطن، فقال لهم نوح انهم ملاقوا جزاء اعمالهم فيجازيهم على ما يعلم من بواطنهم وليس لي الا الظاهر احملهم على ظاهر الايمان فأنتم تجهلون ذلك.
قوله تعالى:
ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون (30) آية.
ثم قال لهم نوح عليه السلام " يا قوم " وأراد به الجماعة الذين يقومون بالامر و (قوم) اسم جمع لا واحد له من لفظه. " من ينصرني من الله " أي من يمنعني من الله، يقال: نصره من كذا يعني منعه منه، ونصره عليه بمعنى أعانه عليه حتى يغلب، ونصره إلى كذا بمعنى نصره معه، ومنه قوله " من أنصاري إلى الله " (1) ويجوز أن يقدر الله الكافر على الكفر، ولا يجوز أن ينصره عليه لان النصرة على الشئ زيادة في القوة ليقع ذلك الشئ، وهذا لا يجوز على الله.
والقدرة تصلح للضدين على منزلة سواء ولا دليل فيها على إرادة أحدهما.
وقوله " أفلا تذكرون " معناه أفلا تتفكرون، فتعلمون أن الامر على ما قلته. وفرق الطبري بين التذكر والتفكر بأن قال: التذكر طلب معنى قد كان حاضرا للنفس و (التفكر) طلب معرفة الشئ بالقلب وان لم يكن حاضرا للنفس.
و (النصرة) المذكورة في الآية ليست من الشفاعة في شئ، لان النصرة هي المنع على وجه المغالبة والقهر. والشفاعة هي المسألة على وجه الخضوع.
وليس لاحد ان يستدل بذلك على نفي الشفاعة للمذنبين.

(1) سورة 3 آل عمران آية 52
(٤٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»
الفهرست