قوله تعالى:
ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين (31) آية في هذه الآية تمام الحكاية عما قال نوح لقومه وحاجهم به، وهو أن قال لهم مضافا إلى ما مضى حكايته " ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول اني ملك " والمعنى إني لا أرفع نفسي فوق قدرها، فأدعي أن عندي خزائن الله من الأموال فأعطيكم منها وأستطيل عليكم بها، أو أقول إني أعلم الغيب، أو أقول لكم إني ملك روحاني غير مخلوق من ذكر وأنثى بخلاف ما خلقني الله، بل أنا بشر مثلكم وإنما خصني الله بالرسالة وشرفني بها. وقيل معنى خزائن الله مقدوراته لأنه يوجد منها ما يشاء. وفي وصفها بذلك بلاغة.
وقيل " لا أقول لكم عندي خزائن الله " فأدعوكم إلى أن أعطيكم منها، ذكره ابن جريح. و (الغيب) ذهاب الشئ عن الادراك، ومنه الشاهد خلاف الغائب.
وإذا قيل: علم الغيب معناه علم من غير تعلم، وهو جميع الغيب، وعلى هذا لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. وقوله " ولا أقول للذين تزدري أعينكم " أي لست أقول للذين احتقرتهم أعينكم. و (الازدراء) الافتعال من الزراية، يقال: زريت عليه إذا عبته، وازريت عليه إذا قصرت به، والازدراء الاحتقار. وقوله " لن يؤتيهم الله خيرا " معناه لا أقول لهؤلاء المؤمنين الذين احتقرتموهم انهم لا يعطيهم الله في المستقبل خيرا من أعمالهم، ولا يثيبهم عليها، من حيث لا علم لي بباطنهم بل الله اعلم بما في أنفسهم، هل هم مؤمنون في باطنهم أم لا، ومتى قلت لا يعطيهم خيرا كنت إذا من الظالمين الذين ظلموا أنفسهم وغيرهم.