التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٦٩
قال أبو علي النحوي. من فتحها حملها على (أرسلنا) أي أرسلناه بأني لكم ولم يقل إنه، لأنه انتقل عن الغيبة إلى الخطاب، ومثله كثير، قال الله تعالى " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة " ثم قال بعده " فخذها بقوة " (1) فكذلك الآية. ومن كسر يضمر القول قبلها كأنه قال: أرسلنا نوحا إلى قومه فقال: إني لكم نذير، ومثله كثير، قال الله تعالى " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم " (2) اي يقولون: سلام عليكم، وقوله تعالى " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " (3) أي قالوا:
ما نعبدهم، ويكون الكلام على ظاهره لم يرجع من الغيبة إلى الخطاب. وليس لاحد أن يرجع القراءة بالفتح من حيث أن ما بعده من قوله " أن لا تعبدوا إلا الله " محمول على الارسال، فإذا فتحت كان أشكل بما بعدها لحملهما جميعا على الارسال. وذلك أن من كسر حمل قوله " اني لكم " وما بعده على الاعتراض بين المفعول وما يتصل به مما بعده، كما أن قوله " إن الهدى هدى الله " اعتراض بينهما في قوله " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " (4) فكذلك قوله " إني لكم نذير مبين " لان التقدير ولقد أرسلنا نوحا لانذار أن لا تعبدوا الا الله إني أنذركم لتوحدوا الله وأن تتركوا عبادة غيره.
أقسم الله تعالى في هذه الآية أنه أرسل نوحا وأمره أن يقول لهم: إني مؤد عن الله ومخوفكم من عقابه وترك طاعاته، لان اللام في قوله " لقد " لام القسم، وهي تدخل على الفعل والحرف الذي يختص بالفعل مما يصح معناه معه، ولام الابتداء للاسم خاصة. ومعنى (قد) وقوع الخبر على وجه التقريب من الحال تقول: قد ركب الأمير - لقوم يتوقعون ركوبه -

(1) سورة 7 الأعراف 144 (2) سورة 13 الرعد آية 25 - 26 (3) سورة 39 الزمر آية 3 (4) سورة 3 آل عمران آية 73
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»
الفهرست