قوله تعالى:
والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (27) آية.
لما وصف الله تعالى المطيعين، وما لهم من الثواب الجزيل في الجنة والخلود فيها، ذكر حكم العصاة الذين يرتكبون السيئات ويكسبونها وأن لهم جزاء كل سيئة مثلها يعني قدر ما يستحق عليها من غير زيادة، لان الزيادة على قدر المستحق من العقاب ظلم، وليس كذلك الزيادة على قدر المستحق من الثواب، لان ذلك تفضل يحسن فعله ابتداء. فالمثل - في الآية - المراد به مقدار المستحق من غير زيادة ولا نقصان. والكسب فعل يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر، وقد يكتسب الانسان الحسنة والسيئة، ولهذا لا يوصف الله تعالى بالكسب. وقوله " وترهقهم ذلة " اي يلحقهم هو ان في أنفسهم. " وما لهم من الله من عاصم " أي ما لهم مانع من عقاب الله. وفي رفع (جزاء) في الآية وجهان: أحدهما - ان تقديره فلهم جزاء سيئة بمثلها ليشاكل " للذين أحسنوا ". والآخرة - أن يكون الخبر بمثلها والباء زيادة كزيادتها في قولك ليس زيد بقائم. وقوله " كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما " شبه سواد وجوههم بقطع من الليل المظلم وإنما ذكر ووحد مظلم لاحد أمرين: أحدهما - أن يكون حالا من الليل. والثاني - على قول الشاعر:
لو أن مدحة تنشرن أحدا * أحيا أبا كن يا ليلى الأماديح و (القطع) قرأه بتسكين الطاء ابن كثير والكسائي. الباقون بالتحريك،