والبحر مستقر الماء الواسع حتى لا يرى من وسطه حافتاه وجمعه أبحر وبحور، ويشبه به الجواد، فيقال إنما هو بحر لاتساع عطائه. وقوله " حتى إذا كنتم في الفلك " خص الخطاب براكبي البحر. والفلك السفن، وسميت فلكا لدورانها في الماء، وأصله الدور، ومنه فلكة المغزل، والفلك الذي تدور فيه النجوم. وتفلك ثدي الجارية إذا استدار. والفلك - ههنا - جمع، وقد يكون واحدا. كقوله " في الفلك المشحون " (1) وقوله " وجرين بهم بريح طيبة " عدل عن الخطاب إلى الاخبار عن الغائب تصرفا في الكلام مع أنه خطاب لمن كان في تلك الحال وإخبار لغيره من الناس، قال لبيد:
باتت تشكي إلي النفس مجهشة * وقد حملتك سبعا بعد سبعينا (2) وقوله " وفرحوا بها " يعني بالريح الطيبة " جاءتها ريح عاصف " يعني ريحا شديدة يقولون: عصفت الريح فهي عاصف وعاصفة، ومنهم من يقول: أعصفت فهي معصف ومعصفة. والريح مؤنثة، وإنما قال عاصف، لأنه لا يوصف بذلك غير الريح فجرى مجرى قولهم امرأة حائض، قال الشاعر:
حتى إذا عصفت ريح مزعزعة * فيها قطار ورعد صوته زجل (3) وقوله " وجاءهم الموج من كل مكان " معناه جاء راكبي الفلك الأمواج العظيمة الهائلة من جميع الوجوه. " وظنوا أنهم أحيط بهم " أي ظنوا انهم هالكون لما أحاط بهم من الأمواج " دعوا الله مخلصين له الدين " اي عند هذه الشدائد والأهوال والتجؤا إلى الله ودعوه وجه الاخلاص، ولم يذكروا الأوثان والأصنام لعلمهم بأنها تنفع ههنا شيئا وقالوا " لئن أنجيتنا " يا رب من هذه الشدة " لنكونن " من جملة من يشكرك لنعمك، ويقوم بآدابها. ويقال لمن اشرف على الهلاك أحيط