اخبر الله تعالى أن الذي خلق السماوات والأرض هو الله تعالى، وهو الذي يستحق العبادة لا غيره وان إليه مرجع الخلق كلهم. والمرجع يحتمل معنيين:
أحدهما أن يكون في معنى الرجوع فيكون مصدرا.
والاخر - موضع الرجوع فيكون ظرفا، كأنه قال: إليه موضع رجوعكم يكونه إذا شاء. ومعنى الرجوع إليه يحتمل أمرين: أحدهما - ان يعود الامر إلى أن لا يملك أحد التصرف في ذلك الوقت غيره تعالى بخلاف الدنيا، لأنه تعالى قد ملك كثيرا من خلقه التصرف في دار الدنيا ومكنهم من ذلك. والثاني - أن يكون معناه انكم ترجعون إليه احياء بعد الموت أي إلى موضع جزائه.
وقوله " وعد الله حقا " نصب على المصدر وتقديره احقه حقا أو وعد الله وعدا حقا، لان في قوله " مرجعكم " انه وعد بذلك الا انه لما لم يذكر الفعل أضيف المصدر إلى الفاعل، كما قال كعب بن زهير:
يسعى الوشاة جنابيها وقيلهم * انك يا ابن أبي سلمى لمقتول (1) اي ويقولون قيلهم. وقوله " انه يبدأ الخلق ثم يعيده " اخبار منه تعالى انه الذي أنشأ الخلق ابتداء، وهو الذي يعيدهم بعد موتهم النشأة الأخرى ليدل بذلك خلقه على أنه إذا كان قادرا على الابتداء فهو قادر على الإعادة.
وقوله " ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فيه بيان أنه إنما يعيد الخلق ليعطيهم جزاء اعمالهم من طاعة ومعصية، والعطاء إذا كان ابتداء لا يسمى جزاء.
وقوله " بالقسط " معناه بالعدل، لأنه لو زاد الجزاء أو نقص لخرج عن العدل، ولكن يجزيهم وفق اعمالهم حتى لا يكون الجزاء على النبوة كالجزاء على الايمان بل كل طاعة يستحق الجزاء على قدرها.
وقوله " والذين كفروا لهم شراب من حميم " معناه ان الذين يجحدون نعم الله ويكفرون بوحدانيته ويجحدون رسله " لهم شراب من حميم " وهو الذي أسخن