وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون (89) آية.
لما أخبر الله تعالى عن حال المتأخرين عن النبي صلى الله عليه وآله والقاعدين عن الجهاد معه وأنهم منافقون قد طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون. أخبر عن الرسول صلى الله عليه وآله ومن معه من المؤمنين المطيعين لله ورسوله بأنهم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم بالأموال التي ينفقونها في مرضاة الله وعدة الجهاد ويقاتلون الكفار بنفوسهم. ثم اخبر عما أعدلهم من الجزاء على أفعالهم تلك وانقيادهم لله ورسوله، فقال " أولئك " يعني النبي والذين معه " لهم الخيرات " في الجنة ونعيمها وخيراتها، وانهم المفلحون أيضا الفائزون بكرامة الله. والخيرات هي المنافع التي تسكن النفس إليها وترتاح بها من النساء الحسان وغيره من نعيم الجنان واحده خيرة - هذا قول أبي عبيدة - وقال رجل من بني عدي:
ولقد طعنت مجامع الربلات * ربلات هند خيرة الملكات (1) والفلاح النجاح بالوصول إلى البغية من نجح الحاجة وهو قضاؤها.
قوله تعالى:
أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم (90) آية.
بين الله تعالى انه " أعد " لهؤلاء المؤمنين والرسول " جنات " يعني بساتين " تجري من تحتها " ومعناه من تحت أشجارها " الأنهار ". والاعداد جعل الشئ مهيئا لغيره تقول: أعد إعدادا واستعد له استعدادا وهو من العدد، لأنه قد عد الله جميع ما يحتاج إلى تقديمه له من الأمور ومثله الاتخاذ. والوجه في اعداد ذلك قبل مجئ وقت الجزاء أن تصوره لذلك ادعى إلى الطاعة وآكد في الحرص عليها.