التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٢
من يؤمن، لابقاه. وإنما كان التكذيب بآيات الله من أعظم الاجرام، لما يتبعه من تضييع حقوق الله فيما يلزم من طاعاته التي لا تصح الا بالتصديق بآياته التي جاءت بها رسله. اخبر الله انه كما أهلك هؤلاء الكفار بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله كذلك أهلك من الكفار قوما آخرين بتكذيبهم بآيات الله، وأغرق آل فرعون بمثل ذلك، ثم اخبر ان كل هؤلاء كانوا ظالمين لنفوسهم بارتكاب معاصي الله وبترك طاعاته.
قوله تعالى:
إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (56) آية الشر الرامي بالمكاره كشرر النار ومثله الضرر، وضد الشر الخير وضد الضرر النفع. والدابة ما من شأنه ان يدب على الأرض لكن بالعرف لا يطلق إلا على الخيل، ومن ذلك قوله " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها (1) " وقوله " عند الله " معناه في معلوم الله وفي حكمه. وأصل " عند " أن يكون ظرفا من ظروف المكان إلا أنه قد تصرف فيها على هذا المعنى. والفاء في قوله " فهم لا يؤمنون " عطف جملة على جملة، وهو من الصلة، كأنه قال: كفروا مصممين على الكفر " فهم لا يؤمنون " وإنما حسن عطف جملة من ابتداء وخبره على جملة من فعل وفاعل، لما فيها من التأدية إلى معنى الحال وذلك أن صلابتهم بالكفر أدى إلى الحال في أنهم لا يؤمنون.
فأخبر الله تعالى في هذه الآية ان شر خصلة يكون الانسان عليها هو الكفر لما في ذلك من تضييع نعم الله التي توجب أعظم العقاب.
والآية متناولة لمن علم الله منه انه لا يؤمن، لان قوله " فهم لا يؤمنون " اخبار عن نفى ايمانهم فيما بعد.

(1) سورة 11 هود آية 6.
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست