التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤١
ألا ترى ان المعلوم بعد ان لم يكن معلوما لا يتغير بهذا العلم، لأنه لو شوهد لم يشاهد على خلاف ما كان، والقدرة شوهدت على خلاف ما يشاهد العجز.
وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة، لأنها تدل على أنه لا يكون العقاب الا بتغيير النفس إلى ما لا يجوز ان يغير إليه، وهذا يبين انه لا يحسن من الله العقاب الا لمن فعل قبيحا أو أخل بواجب، وذلك يبطل قول من قال: يجوز ان يعاقب الله البرئ بجرم السقيم، وجملة معنى الآية إنا أخذنا هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا من مشركي قريش ببدر بذنوبهم، وتغييرهم نعمة الله عليهم من بعث رسوله وتكذيبهم إياه واخراجهم له من بين أظهرهم، ففعلنا بهم مثل ما فعلنا بالماضين من الكفار.
قوله تعالى:
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين (55) آية إنما أعاد قوله: " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم " لا على وجه التكرار بلا فائدة بل لوجهين: أحدهما - قال أبو علي: لأنه على نوعين مختلفين من العقاب.
وقال الرماني: فيه تصريف القول في الذم بما كانوا عليه من قبح الفعل وتقدير الكلام: دأب هؤلاء الكفار مثل دأب آل فرعون. ويحتمل أن يكون كناية عن هؤلاء الكفار " كذبوا بآياتنا ".
والتكذيب نسبة الخبر إلى الكذب، فالتكذيب بالحق مذموم، والتكذيب بالباطل - لأنه باطل - ظاهره امره محمود، وإنما وجب في التكذيب بآيات الله تعجيل العقوبة، ولم يجب ذلك في غيره، لما في تعجيل عقوبتهم من الزجر لغيرهم، فيصلحون به مع علم الله بأنه ليس فيهم من يفلح - على مذهب من يقول: لو علم الله ان فيهم
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست