الا وقد بيناه اما مجملا أو مفصلا، فما هو صريح يفيد لفظا، وما هو مجمل بينه على لسان نبيه وأمر باتباعه في قوله " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (1) ودل بالقرآن على صدق نبوته ووجوب أتباعه، فإذا لا يبقى أمر من أمور الدين والدنيا الا وهو في القرآن - وهذا الوجه اختاره الجبائي - وقال البلخي: " ما فرطنا في الكتاب من شئ " أي لم ندع الاحتجاج بما يوضح الحق ويدعو إلى الطاعة والمعرفة ويزجر عن الجهل والمعصية، وتصريف الأمثال وذكر أحوال الملائكة وبني آدم وسائر الخلق من أصناف الحيوان. وكل جنس من الحيوان أمة، لان الأمة الجماعة ويقال للصبيان: أمة وان لم يجب عليهم التكليف.
وقوله تعالى: " ثم إلى ربهم يحشرون " معناه يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد، فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض وينتصف لبعضها من بعض، فإذا عوضهما، قال قوم: انها تصير ترابا فحينئذ يتمنى الكافر فيقول " يا ليتني كنت ترابا " (2) وقال قوم: يديم الله أعواضها ويخلقها على أحسن ما يكون من الصور فيسر بها المثابون ويكون ذلك من جملة ما ينعمون به، ذكره البلخي. وقال قوم: " يحشرون " معناه يموتون ويفنون وهذا بعيد، لان الحشر في اللغة هو بعث من مكان إلى غيره، وهاهنا لا معنى للحشر الذي هو الفناء وإنما معناه انهم يصيرون إلى ربهم ويبعثون إليه.
واستدل قوم من التناسخية بهذه الآية على أن البهائم والطيور مكلفة، لأنه قال " أمم أمثالكم " وهذا باطل، لأنا قد بينا من أي وجه قال: انها " أمم أمثالكم " ولو وجب حملها على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها ناسا وفي مثل صورنا وأخلاقنا، فمتى قالوا لم يقل أمثالنا في كل شئ، قلنا: وكذلك الامتحان والتكليف، على أنهم مقرون بان الأطفال غير مكلفين ولا ممتحنين، فما يحملون به امتحان الصبيان بعينه نحمل بمثله امتحان البهائم، وكيف يصح