التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٤
نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " (3) فإنه أراد بذلك الاخبار عن قدرته وانه لو شاء الجاءهم إلى الايمان لكان عليه قادرا. ولا يدل ذلك على أنه لم يشأ منهم الايمان على وجه الاختيار منهم أو لم يشأ ان يفعل ما يؤمنون عنده مختارين، لان الله تعالى قد شاء منهم الايمان على هذا الوجه وإنما أفاد نفي المشيئة لما يلجئهم إلى الايمان، لأنه متى ألجأهم إليه لم يكن ذلك ايمانا يستحق عليه الثواب، والغرض بالآية ان يبين تعالى ان الكفار لم يغلبوا الله بكفرهم ولا قهروه بخلافه وانه لو أراد أن يحول بينهم وبينه لفعل، لكنه يريد أن يكون ايمانهم على وجه يستحقون به الثواب، ولا ينافي التكليف.
وقوله " فلا تكونن من الجاهلين " إنما هو نهي محض عن الجهل ولا يدل ذلك على أن الجهل كان جائزا منه صلى الله عليه وآله بل يفيد كونه قادرا عليه، لأنه تعالى لا يأمر ولا ينهي الا بما يقدر المكلف عليه، ومثله قوله " لئن أشركت ليحبطن عملك " (4) وإن كان الشرك لا يجوز عليه لكن لما كان قادرا عليه جاز أن ينهاه عنه. والمراد هاهنا فلا تجزع ولا تحزن لكفرهم واعراضهم عن الايمان، وانهم لم يجمعوا على التصديق بك فتكون في ذلك بمنزلة الجاهلين الذين لا يصبرن على المصائب، ويأثمون لشدة الجزع.
والنفق: الطريق النافذ في الأرض والنافقاء ممدودا وجر حجر اليربوع يحفره من باطن الأرض إلى جلدة الأرض فإذا بلغ الجلدة أرقها فإذا رابه ريب وقع برأسه هذا المكان وخرج منه، ومنه سمي المنافق منافق لأنه أبطن غير ما أظهر، والسلم مشتق من السلامة لأنه يسلمك إلى مصعدك.
قوله تعالى:
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون (36) آية بلا خلاف.

(3) سورة الشعراء آية 4 (4) سورة 39 الزمر آية 65.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»
الفهرست