التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٧
كفاية وإزاحة لعلتهم وهو القرآن، وغيره مما شاهدوه ومن المعجزات والآيات، ولا يلزم اظهار المعجزات بحسب اقتراح المقترحين، لأنه لو لزم ذلك لوجب اظهارها في كل حال ولكل مكلف وذلك فاسد.
وقد طعن قوم من الملحدين، فقالوا: لو كان محمد قد أتى بآية لما قالوا له " لولا أنزل عليه آية " ولما قال " ان الله قادر على أن ينزل آية ".
قيل: قيد بينا أنهم التمسوا آية مخصوصة وتلك لم يؤتوها وإن كان الله تعالى قادرا عليها، وإنما لم يؤتوها لان المصلحة منعت من انزالها، وإنما اتى بالآيات الاخر التي دلت على نبوته من القرآن وغيره على ما اقتضته المصلحة، ولذلك قال فيما تلوناه " أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب " فبين ان في انزال الكتاب كفاية ودلالة على صدقه وانه لا يحتاج معه إلى أمر آخر فسقط ما قالوه.
قوله تعالى:
وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون (38) آية بلا خلاف.
الوقف عند قوله " أمم أمثالكم " وقف تام.
ابتدأ الله تعالى بهذه الآية فأخبر بشأن سائر الخلق. وبإزاحة علة عباده المكلفين في البيان ليعجب عباده في الآية التي بينها من الكفار وذهابهم عن الله تعالى فقال: " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه " فجمع جميع الخلق بهذين اللفظين، لان جميع الحيوان لا يخلو من أن يكون مما يطير بجناحيه أو يدب " الا أمم أمثالكم " أي هم أجناس وأصناف كل صنف يشتمل على العدد الكثير والأنواع المختلفة وان الله خالقها ورازقها، وانه يعدل عليها فيما يفعله، كما خلقكم ورزقكم وعدل عليكم، وان جميعها دالة وشاهدة على مدبرها وخالقها وأنتم بعد ذلك تموتون والى ربكم تحشرون. فبين بهذه العبارة أنه لا ينبغي
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست