التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٣١
والثاني - أن يكون عنى انهم صم وبكم في الظلمات في الدنيا، فمتى أريد الأول كان ذلك حقيقة، لأنه تعالى لا يمتنع ان يجعلهم صما بكما في الظلمات، ويضلهم بذلك عن الجنة وعن الصراط الذي يسلكه المؤمنون إليها ويصيرهم إلى النار. وان أريد به الوجه الثاني، فإنه يكون مجازا وتوسعا.
وإنما شبههم بالصم والبكم الذين في الظلمات، لان المكذبين بآيات الله لا يهتدون إلى شئ مما ناله المؤمنون من منافع الدين ولا يصلون إلى ذلك، كما أن الصم البكم الذين في الظلمات لا يهتدون إلى شئ من منافع الدنيا ولا يصلون إليها، فتشبيههم من هذا الوجه بالصم البكم.
وقال البلخي " صم وبكم في الظلمات " معناه في الجهل والشرك والكفر وقوله " من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم " لا يجوز أن يكون على عمومه، لأنا قد علمنا أن الله تعالى لا يشاء ان يضل الأنبياء والمؤمنين ولا يهدي الكافرين، لكن قد بين تعالى في موضع آخر من الذي يشاء ان يضله، فقال " وما يضل به الا الفاسقين " (1) وقال " ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " (2) وقال " والذين اهتدوا زادهم هدى " (3) وقال:
" يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام " (4) وقال " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " (5).
وقوله " ومن يشأ الله يضلله " هاهنا يحتمل أمرين:
أحدهما - " من يشأ الله يضلله " أي من يشأ يخذله بأن يمنعه ألطافه وفوائده، وذلك إذا واتر عليه الأدلة وأوضح له البراهين فأعرض عنها ولم يمعن النظر فيها، فصار كالأصم الأعمى، فحينئذ يشاء أن يضله بان يخذله.
والثاني - من يشأ الله اضلاله عن طريق الجنة، ونيل ثوابها يضلله على

(1) سورة 2 البقرة آية 26 (2) سورة 14 إبراهيم آية 27 (3) سورة 47 محمد آية 17 (4) سورة 5 المائدة آية 18 (5) سورة 29 العنكبوت آية 69.
(١٣١)
مفاتيح البحث: الضلال (2)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست