ذلك على أنه لا يجوز لاحد أن يعمل على شئ من أمر الدين إلا بحجة.
وفيها دلالة على وجوب المعرفة وأنها ليست ضرورية، لان الله تعالى بين الحجاج عليهم في هذه الآية ليعرفوا صحة ما دعا الرسول إليه، ولو كانوا يعرفون الأحق ضرورة لم يكونوا مقلدين لآبائهم وكان يجب أن يكون آباؤهم أيضا عارفين ضرورة، ولو كانوا كذلك لما صح الاخبار عنهم بأنهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون. وإنما نفى عنهم الاهتداء والعلم معا لان بينهما فرقا، وذلك أن الاهتداء لا يكون إلا عن بيان وحجة. والعلم مطلق وقد يكون الاهتداء ضرورة.
قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون (108) آية واحدة بلا خلاف.
لما بين الله تعالى حكم الكفار الذين قلدوا آباءهم واسلافهم وركنوا إليهم في أديانهم، ذكر في هذه الآية أن المكلف إنما يلزمه حكم نفسه وأنه لا يضره ضلال من ضل إذا كان هو مهتديا، حتى يعلم بذلك أنه لا يلزمهم من ضلال آبائهم شئ من الذم والعقاب.
و " أنفسكم " نصب على الاغراء كأنه قال: احفظوا أنفسكم أن تزلوا كما زل غيركم. والعرب تغري ب (عليك، واليك، ودونك، وعندك) فينصبون الأسماء بها، ولم يغروا ب (منك) كما أغروا ب (إليك)، لان (إليك) أحق بالتنبيه من (منك). والاغراء تنبيه على ما يجب أن يحذر، ولذلك لم يغروا ب (فيك) ونحوها من حروف الإضافة. وحكى المغربي: أنه سمع من يغري ب (وراءك) و (قدامك).