قوله تعالى:
إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117) آية بلا خلاف.
خاطب الله تعالى بهذه الآية نبيه صلى الله عليه وآله وان عنى به جميع الأمة انه تعالى " أعلم من يضل عن سبيله " بمعنى أعرف، والمعنى انه أعلم به ممن يعلمه، لأنه يعلمه من وجوه تخفى على غيره، لأنه تعالى يعلم ما كان وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة، وعلى جميع الوجوه التي يصح ان تعلم الأشياء عليها وليس كذلك غيره، لان غيره لا يعلم جميع الأشياء، وما يعلمه لا يعلمه من جميع وجوهه. وأما من هو غير عالم أصلا، فلا يقال الله أعلم منه، لان لفظة أعلم تقتضي الاشتراك في العلم وزيادة لمن وصف بأنه أعلم، وهذا لا يصلح في من ليس بعالم أصلا الا مجازا، ولا يصح أن يقال: هو تعالى أعلم بأن الجسم حادث من كل من يعلم كونه حادثا، لان هذا قد ذكر الوجه الذي يعلم منه وهو انه حادث، فان أريد بذلك المبالغة في الصفة، وأن هذه الصفة فيه أثبت من غيره فجاز أن يقال ذلك.
وذكروا في موضع (من) وجهين من الاعراب:
قال بعضهم: موضعه نصب على حذف الباء وتقديره أعلم بمن يضل ليكون مقابلا لقوله " وهو أعلم بالمهتدين " وقال الفراء والزجاج: موضعها الرفع لأنها بمعنى (أي) كقوله " لنعلم أي الحزبين " (1) وصفة (أفعل) من كذا لا تتعدى لأنها غير جارية على الفعل، ولا معدولة عن الجارية كعدل ضروب عن ضارب ومنحار عن ناحر. وقال قوم:
ان (اعلم) ههنا بمعنى يعلم كما قال حاتم الطائي: