والفرق بين الأكثر والأعظم أن الأعظم قد يوصف به واحد، ولا يوصف بالأكثر واحد بحال، ولهذا يقال في الله تعالى انه عظيم وأعظم من كل شئ، ولا يقال أكثر وإنما يقال أكبر بمعنى أعظم.
وإنما قال: ان تطعهم يضلوك وان كانت البدأة بالاغواء منهم لامرين:
أحدهما - ان المطيع يبتدأ باستشعار الطاعة، فإذا كان من الداعي أمر بشئ من الأشياء كان إطاعة وصدق بأنه مطيع.
والثاني - ان دعاءهم لا يوصف بأنه اضلال لمن دعوه الا بعد الإجابة فكأنه قال: ان تجبهم تستحق الصفة بأنهم قد أضلوك، ثم أخبر تعالى عن هؤلاء الكفار انهم لا يتبعون الا الظن الذي يخطئ ويصيب " وان هم الا يخرصون " ومعناه وما هم الا كاذبين. والخرص الكذب يقال: خرص يخرص خرصا وخروصا وتخرص تخرصا واخترص اختراصا وأصله القطع قال الشاعر:
ترى قصد المران تلقى كأنها تذرع خرصان بأيدي الشواطب (1) يعني جريدا يقطع طويلا ويتخذ منه الحصر، وهو جمع الخرص. ومنه خرص النخل يخرصه خرصا إذا جزره، والخريص الخليج ينقطع إليه الماء، والخريص حبة القرط إذا كانت منفردة، والخرص العود، لانقطاعه عن نظائره بطيب ريحه.
وقيل معنى " وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " يعني في أكل الميتة، لأنهم قالوا للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربكم؟! فهذا إضلالهم. وقال بعضهم قوله " ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون " مثل قوله " يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " (2) يعني المتعمدين المتردين.
وفى الآية دلالة على بطلان قول أصحاب المعارف، وبطلان قولهم إن الله تعالى لا يتوعد من لا يعلم الحق، لان الله بين في هذه الآية أنهم يتبعون الظن ولا يعرفونه، وتوعدهم على ذلك. وذلك بخلاف مذهبهم.