فان قيل كيف يصح على أصلكم في الموافاة ونفي الاحباط وصف الكفار بأنهم يعلمون الحق وذلك مما يستحق به الثواب ولا خلاف أن الكافر لا ثواب معه؟!.
قلنا عنه جوابان: أحدهما - أن تكون الآية مخصوصة بمن آمن منهم في المستقبل، فانا نجوز أن يكونوا في الحال عالمين بالله وبأن القرآن حق ثم يظهرون الاسلام فيما بعد فيتكامل الايمان، لان الايمان لا يحصل دفعة واحدة بل يحصل جزءا فجزءا، لان أوله العلم بحدوث الأجسام، ثم إن لها محدثا، ثم العلم بصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، ثم العلم بالثواب والعقاب وما يتبعهما، وذلك يحصل في أوقات كثيرة. والثاني - أن يكونوا علموه على وجه لا يستحقون به الثواب لأنهم يكونون نظروا في الأدلة لا لوجه وجوب ذلك عليهم، بل لغير ذلك فحصل لهم العلم وان لم يستحقوا به ثوابا.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك أنهم يعلمون عند أنفسهم، لأنهم إذا كانوا معتقدين بصحة التوراة وأنها من عند الله، وفيها دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله وهم يدعون أن اعتقادهم علم، فهم إذا على قولهم عالمون بأن القرآن منزل من ربك بالحق.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله " الذين آتيناهم الكتاب " المؤمنين المسلمين دون أهل الكتاب، ويكون المراد بالكتاب القرآن لأنا قد بينا أن الله سماه كتابا بقوله " الر كتاب أحكمت " (1) وبقوله " هو الذي انزل عليك الكتاب " (2) فعلى هذا سقط السؤال، لأن هذه صفة المؤمنين المستحقين للثواب وقوله " فلا تكونن من الممترين " معناه لا تكونن من الشاكين.
والامتراء الشك وكذلك المرية ويكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به الأمة.
وقيل المراد بذلك " فلا تكونن من الممترين " يا محمد في أنهم يعلمون أن ذلك من ربك بالحق.