الله ابتغي حكما " أي أطلب سوى الله حاكما، ونصب أفغير الله بفعل مقدر يفسره (أبتغي) تقديره أأبتغي غير الله أبتغي حكما، والحكم والحاكم بمعنى واحد، الا ان الحكم هو من كان أهلا أن يتحاكم إليه فهو أمدح من الحاكم، والحاكم جار على الفعل، وقد يحكم الحاكم بغير الحق، والحكم لا يقضي الا بالحق لأنها صفة مدح وتعظيم.
والمعنى هل يجوز لاحد ان يعدل عن حكم الله رغبة عنه، لأنه لا يرضى به؟!
أو هل يجوز مع حكم الله حكم يساويه في حكمه؟!
وقوله " وهو الذي " يعني الله الذي " أنزل إليكم الكتاب مفصلا " وإنما مدح الكتاب بأنه مفصل، لان التفصيل تبيين المعاني بما ينفي التخليط المعمي للمعنى، وينفى أيضا التداخل الذي يوجب نقصان البيان عن المراد.
وإنما فصل القرآن بالآيات التي تفصل المعاني بعضها من بعض وتخليص الدلائل في كل فن.
وقيل: معنى (مفصلا) أي بما يفصل بين الصادق والكاذب من أمور الدين. وقيل: فصل فيه الحرام من الحلال، والكفر من الايمان، والهدى من الضلال - في قول الحسن -.
وقوله " والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق " لا يجوز أن يكون على عمومه، لان كثيرا من أهل الكتاب، بل أكثرهم جهال لا يعرفون. وقوله: أهل الكتاب، قد يستعمل تارة بمعنى العلم، وبمعنى الاقرار أخرى، كما يقال للعلماء بالقرآن: أهل القرآن. ويقال لجميع المسلمين أهل القرآن بمعنى أنهم مقرون به. وقوله " يعلمون أنه منزل من ربك بالحق " قيل في معناه قولان:
أحدهما - يعلمون ان كل ما فيه بيان عن الشئ على ما هو به، فترغيبه، وترهيبه، ووعده، ووعيده، وقصصه، وأمثاله، وغير ذلك مما فيه كله بهذه الصفة والثاني - أن معنى " بالحق " البرهان الذي تقدم لهم حتى علموه به.