التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٦٩
الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين (71) آية بلا خلاف.
قرأ حمزة " استهواه الشياطين " بألف ممالة، الباقون بالتاء المعجمة من فوق قال أبو عبيدة " كالذي استهوته الشياطين " أي استمالت به، ذهبت به، ومنه " فأزلهما الشيطان عنها " (1) وكذلك هوى وأهوى غيره، قال تعالى:
" والمؤتفكة أهوى " (2) يقال أهويته واستهويته، كما قال " فأزلهما الشيطان " و " إنما استزلهما الشيطان " (3)، فكما أن أزله بمعنى استزله كذلك استهواه بمنزلة أهواه، وكما أن معنى استجابه أجابه في قول الشاعر:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (4) وقرأ حمزة هاهنا مثل قراءته " توفاه " وكلا المذهبين حسن.
وقوله: " استهواه " إنما هو من قولهم: هوى من حالق إذا تردى منه.
ويشبه به الذي زل عن الطريق المستقيم، كما أن زل إنما هو من العباد، والمكان أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين أن يقولوا لهؤلاء الذين يدعونهم إلى عبادة الأوثان والأصنام " أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا " ان عبدناه، ولا يضرنا ان تركنا عبادته " ونرد على أعقابنا " بعد الهدى والرشاد وبعد معرفتنا بالله وتصديق رسله إلى الضلال، وذلك مثل يقال فيمن رجع عن خير إلى شر: رجع على عقبيه، وكذلك إذا خاب من مطلبه، يقال رد على عقبيه، ويصير في الحيرة " كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران " لا يهتدي إلى طريق، ولا معرفة " له أصحاب يدعونه " إلى الطريق الواضح وهو الهدى ويقولون له " ائتنا " ولا يقبل منهم، ولا يصير إليهم غير أنه لذهاب عقله من فعل الله، فيستولي الشيطان حينئذ عليه، ولا يقبل من أحد لحيرته. شبه الله به الكافر الذي يرجع

(1) سورة 2 البقرة آية 36 (2) سورة 53 النجم آية 53 (3) سورة 3 آل عمران آية 155 (4) انظر / 131.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست