وقال البلخي: هذه نزلت بمكة قبل أن يؤمر بالقتال، ثم امر فيما بعد ذلك. وأمره ان يخبرهم ان " لكل نباء " يخبرهم به " مستقر " وهو وقته الذي يعلمون فيه صحة ما وعدهم به وحقيقته، وذلك عند كون مخبره، اما في الدنيا، واما في الآخرة " وسوف تعلمون " فيه تهديد لهم بكون ما أخبرهم به من العذاب النازل بهم في الدنيا والآخرة، ووقت كون هذا العذاب هو مستقر الخبر. وقال بعضهم: أنبأه الله بالوقت الذي يظفره فيه بهم. وقال الزجاج يجوز أن يكون أراد وقت الاذن في محاربتهم حتى يدخلوا في الاسلام أو يقبلوا الجزية ان كانوا أهل كتاب.
وقوله: " وكذب به قومك " المراد به الخصوص، لان في قومه جماعة صدقوا به، وهو كما يقول القائل: هؤلاء عشيرتي، يشير إلى جماعة وان لم يكونوا جميع عشيرته.
قوله تعالى:
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68) آية بلا خلاف قرأ ابن عامر " وأم ينسينك " بتشديد السين. الباقون بالتخفيف.
خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بهذه الآية، فقال له " إذا رأيت " هؤلاء الكفار " الذين يخوضون في آياتنا ". قال الحسن، وسعيد بن جبير: معنى " يخوضون " يكذبون " بآياتنا " وديننا والخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللعب، وترك التفهم واليقين. ومثله قول القائل: تركت القوم يخوضون، أي ليسوا على سداد، فهم يذهبون ويجيئون من غير تحقيق ولا قصد للواجب - أمره حينئذ ان يعرض عنهم " حتى يخوضوا في حديث غيره " لان من حاج من هذه حاله وأراد التبيين له فقد وضع الشئ في غير موضعه