وقوله " كن فيكون " قال قوم هو خطاب للصور. والمعنى ويوم يقول للصور كن فيكون. وقد بينا فيما مضى أن ذلك عبارة عن سرعة الفعل وتيسيره وانه لا يتعذر عليه شئ بمنزلة أن يقول كن فيكون، لا أن هناك أمر على الحقيقة وكيف يكون هناك أمر والامر لا يتوجه الا إلى الحي القادر؟!
والمعدومات والجمادات لا يحسن أمرها ولا خطابها. والغرض بالآية الدلالة على سرعة أمر البعث والساعة، كأنه قال ويوم يقول للخلق: موتوا فيموتون وانتشروا فينتشرون الا يتعذور عليه ولا يتأخر عن وقت ارادته. وقيل " يوم يقول كن فيكون قوله الحق " أي يأمر فيقع امره. والحق من صفة قوله. كما يقول القائل قد قلت، فكان قولك. والمعنى ليس انك قلت فكان الكلام.
وإنما المعنى انه كان ما دل عليه القول وعلى القول الأول يرفع (قوله) بالابتداء و (الحق) خبر الابتداء. وحكي عن قوم من السلف " فيكون " بالنصب باضمار (ان). وتقديره كن فأن يكون، وهذا ضعيف.
وقوله " وله الملك يوم ينفخ في الصور " يحتمل نصب " يوم ينفخ " ثلاثة أوجه:
أحدها - أن يكون متعلقا ب (له الملك) والتقدير له الملك يوم ينفخ في الصور وإنما خص ذلك اليوم بأن الملك له كما خصه في قوله " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ". وقرأ بعضهم " ينفخ " بفتح الياء. و " عالم الغيب والشهادة " فاعل (ينفخ) وهو شاذ، روي عن ابن عباس ذلك، والوجه أنه لا يبقى ملك من ملكه الله في الدنيا أو يغلب عليه بل ينفرد هو تعالى بالملك.
والثاني - أن يكون يوم ينفخ بيانا على قوله " يوم يقول كن فيكون " الثالث - أن يكون منصوبا ب (قوله الحق). والمعنى وقوله الحق يوم ينفخ، الصور. والوجه في اختصاص ذلك اليوم بالذكر ما بيناه في الوجه الأول، لان قوله حق في جميع الأوقات. وفي معنى الصور قولان:
أحدهما - ما عليه أكثر المفسرين من أنه اسم لقرن ينفخ فيه الملك