التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٩
" توفته رسلنا " أي تقبضه، والتوفى هو القبض على ما بيناه. ثم إن هؤلاء الرسل " لا يفرطون " أي لا يقصرون - في قول الزجاج - ولا يغفلون، ولا يتوانون. وقال الجبائي: لا يأخذون روحه قبل أجله ويبادرون إلى ما أمروا به عن غير تقصير، ولا تفريط. والمعنى في التوفي ان يعلم العباد أنهم يحصون إذا ماتوا فلا يرون أنهم يهملون إذا ماتوا وأن أحدا منهم لا يثبت ذكره ليجزى بعمله.
ثم بين ان هؤلاء الذين تتوفاهم رسلنا يردون بعد الوفاة إلى الله فيردهم إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه الا الله ولا يملك نفعهم ولا ضرهم سواه فجعل ردهم إلى ذلك الموضع ردا إلى الله، وبين أنه هو " مولاهم الحق " لأنه خالقهم ومالكهم، والقاهر عليهم القادر على نفعهم وضرهم، ولا يجوز ان يوصف بهذه الصفة سواه، فلذلك كان مولاهم الحق. وقال البلخي: (الحق) اسم من أسماء الله وهو خفض، لأنه نعت لله، ويجوز الرفع على معنى الله مولاهم الحق، ويجوز ان ينصب على معنى يعني مولاهم، والقراءة بالخفض.
وقوله: " ألا له الحكم " معناه ألا يعلمون أو ألا يقرون ان الحكم يوم القيامة هو له وحده؟، ولا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه، كما قد يملك الحكم في الدنيا غيره بتمليك الله إياه.
وقوله: " وهو أسرع الحاسبين " روي أنه تعالى يحاسب عباده على مقدار حلب شاة، وذلك يدل على أنه لا يحتاج ان يكلفهم مشقة وآلة على ما يقوله المشبهة، لأنه لو كان كذلك لا يحتاج ان يتطاول زمان محاسبته أو أنه يشغله محاسبته عن محاسبة غيره. وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قيل له كيف يحاسب الله الخلق وهم لا يرونه؟ قال: كما يرزقهم ولا يرونه والمعنى في الآية أنه تعالى أحصى الحاسبين لما أحصى الملائكة وتوفوا من الأنفس لا يخفى عليه من ذلك خافية ولا يحتاج في عده إلى فكر ونظر.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست