الساعة التي وعدتم فيها بالبعث والفناء، لان قبل البعث يموت الخلق كلهم، أتدعون فيها - لكشف ذلك عنكم - هذه الأوثان التي تعلمون أنها لا تقدر أن تنفع أنفسها ولا غيرها؟! أو تدعون لكشف ذلك عنكم الله تعالى الذي هو خالقكم ومالككم ومن يملك ضركم ونفعكم؟ ودلهم بذلك على أنه لا ينبغي لهم ان يعبدوا ما لا يملك لهم نفعا ولا يقدر أن يدفع عنهم ضرا وان يعبدوا الله وحده الذي هو خالقهم ومالكهم والقادر على نفعهم وضرهم.
وقوله " ان كنتم صادقين " يعني في أن هذه الأوثان آلهة لكم، فبين الله لهم بذلك انها ليست آلهة وانهم في هذا القول غير صادقين.
وقوله " بل إياه تدعون " معنى (بل) استدراك وايجاب بعد نفي تقول ما جاءني زيد بل عمرو. واعلمهم الله تعالى انهم لا يدعون في حال الشدائد الا إياه، لأنه إذا لحقهم الشدائد والأهوال في البحار والبراري القفار، التجئوا فيه إليه وتضرعوا لديه، كما قال " وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين " (1) وفي ذلك أعظم الحجج عليهم، لأنهم عبدوا الأصنام.
وقوله " فيكشف ما تدعون إليه ان شاء " معناه يكشف الضر الذي من اجله دعوتم، وهو مجاز كقوله " واسأل القرية " ومعناه واسأل أهل القرية.
وقوله " وتنسون ما تشركون " معنى تنسون يحتمل أمرين:
أحدهما - أن يكون بمعنى ما تشركون بالله.
الثاني - أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من نسيهم، وهذا الذي أحتج الله به على الكفار دلالة على صحة الاحتجاج في الدين على كل من خالف الحق، لأنه لو كان الاحتجاج لا يجوز ولا يفضي إلى الحق لما احتج به على عباده في كتابه. وإنما قال: " ان شاء " لأنه ليس كلما يدعون لكشفه يكشفه عنهم بل يكشف ما شاء من ذلك مما تقتضيه المصلحة وصواب التدبر، وتوجبه الحكمة.