إلى الايمان بالرياسة في الدين والتقدم فيه.
وقوله: " ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " فليس المراد باللام لام الغوص لان الله لو قصد ذلك لكان قد قصد بما فعل ان يقولوا هذا القول فيكفروا به ويعصوا ويتعالى الله عن ذلك فكيف يقصده؟! وقد عابه من قولهم وهو يعاقبهم عليه وعابهم به ولكن اللام لام العاقبة.
والمعنى اني فعلت ذلك بهم ليصبروا ويشكروا، فكان عاقبة أمرهم ان قالوا " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " ومثله قوله: " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " (1) وقال الشاعر:
أم سماك فلا تجزعي * فللشكل ما تلد الوالداه (2) والذي قال " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " هو عيينة بن حصين وأصحابه وقال الزجاج: أي ليقول الكبراء " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " أي ليكون ذلك آية بينة انهم اتبعوا الرسول وصبروا على الشدة في حال شديدة.
وقال الجبائي: معنى قوله " فتنا بعضهم ببعض " أي شددنا التكليف على أشراف العرب وكبرائهم بأن أمرناهم بالايمان برسول الله وبتقديم هؤلاء الضعفاء على نفوسهم لتقدمهم إياهم في الايمان، وكونهم أفضل عند الله. وهذا أمر كان شاقا عليهم، فلذلك سماه الله فتنة.
وقوله " ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " أي فعلنا هذا بهم ليقول بعضهم لبعض على وجه الاستفهام منه لا على وجه الانكار " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " يعني بالايمان إذ رأوا النبي صلى الله عليه وآله يقدم هؤلاء عليهم ويفضلهم وليرضوا بذلك من فعل رسول الله، ولم يجعل هذه الفتنة والشدة في التكاليف ليقولوا ذلك على وجه الانكار، لان إنكارهم ذلك كفر بالله ومعصية له والله تعالى لا يريد ذلك ولا يرضاه، لأنه لو أراد ذلك منهم، وفعلوه كانوا مطيعين